[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ]
٣٨ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ
ذكر مُلْكِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِصْرَ وَقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِمِصْرَ وَهُوَ عَامِلُ عَلِيٍّ عَلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ تَوْلِيَةِ عَلِيٍّ إِيَّاهُ مِصْرَ وَعَزْلِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ [عَنْهَا] وَدُخُولَهُ مِصْرَ وَإِنْفَاذَهُ ابْنَ مُضَاهِمٍ الْكَلْبِيَّ إِلَى أَهْلِ خَرْنَبَا، فَلَمَّا مَضَى ابْنُ مُضَاهِمٍ إِلَيْهِمْ قَتَلُوهُ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ السَّكُّونِيُّ، وَطَلَبَ بِدَمِ عُثْمَانَ وَدَعَا إِلَيْهِ، فَأَجَابَهُ نَاسٌ، وَفَسَدَتْ مِصْرُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: مَا لِمِصْرَ إِلَّا أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ، صَاحِبُنَا الَّذِي عَزَلْنَا - يَعْنِي قَيْسًا، أَوِ الْأَشْتَرُ -، وَكَانَ الْأَشْتَرُ قَدْ عَادَ بَعْدَ صِفِّينَ إِلَى عَمَلِهِ بِالْجَزِيرَةِ، وَقَالَ عَلِيٌّ لِقَيْسٍ: أَقِمْ عِنْدِي عَلَى شُرْطَتِي حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحُكُومَةُ، ثُمَّ تَسِيرَ إِلَى أَذْرَبَيْجَانَ. فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا أَمْرُ مِصْرَ كَتَبَ إِلَى الْأَشْتَرِ وَهُوَ بِنَصِيبِينَ يَسْتَدْعِيهِ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ أَهْلِ مِصْرَ وَقَالَ: لَيْسَ لَهَا غَيْرُكَ فَاخْرُجْ إِلَيْهَا، فَإِنِّي لَوْ لَمْ أُوصِكَ اكْتَفَيْتُ بِرَأْيِكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاخْلِطِ الشِّدَّةَ بِاللِّينِ، وَارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَبْلَغَ، وَتَشَدَّدْ حِينَ لَا يُغْنِي إِلَّا الشِّدَّةُ.
فَخَرَجَ الْأَشْتَرُ يَتَجَهَّزُ إِلَى مِصْرَ وَأَتَتْ مُعَاوِيَةَ عُيُونُهُ بِذَلِكَ، فَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ طَمِعَ فِي مِصْرَ، فَعَلِمَ أَنَّ الْأَشْتَرَ إِنْ قَدِمَهَا كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُقَدَّمِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ بِالْقُلْزُمِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْأَشْتَرَ قَدْ وَلِيَ مِصْرَ، فَإِنْ كَفَيْتَنِيهِ لَمْ آخُذْ مِنْكَ خَرَاجًا مَا بَقِيتُ وَبَقِيتَ. فَخَرَجَ الْحَابِسَاتُ حَتَّى أَتَى الْقُلْزُمَ وَأَقَامَ بِهِ، وَخَرَجَ الْأَشْتَرُ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْقُلْزُمِ اسْتَقْبَلَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute