[سَبَبُ حَفْرِ بِئْرِ زَمْزَمَ]
وَكَانَ سَبَبُ حَفْرِهِ إِيَّاهَا أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ بِالْحِجْرِ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: احْفِرْ طَيْبَةَ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا طَيْبَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ فَرَجَعْتُ الْغَدَ إِلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ بَرَّةَ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا بَرَّةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرِ الْمَضْنُونَةَ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ قَالَ فَذَهَبَ عَنِّي، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمْ، إِنَّكَ إِنْ حَفَرْتَهَا لَا تَنْدَمْ. فَقُلْتُ. وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ: تُرَاثٌ مِنْ أَبِيكَ الْأَعْظَمْ، لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمْ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمْ، مِثْلَ نَعَامٍ جَافِلٍ لَمْ يُقْسَمْ، يُنْذِرُ فِيهَا نَاذِرٌ لِمُنْعِمْ، يَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمْ، لَيْسَ كَبَعْضِ مَا قَدْ تَعْلَمْ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمْ، عِنْدَ نَقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمْ، عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ.
فَلَمَّا بَيَّنَ لَهُ شَأْنَهَا، وَدَلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَحَفَرَ بَيْنَ إِسَافَ وَنَائِلَةَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْحَرُ فِيهِ قُرَيْشٌ لِأَصْنَامِهَا، وَقَدْ رَأَى الْغُرَابَ يَنْقُرُ هُنَاكَ. فَلَمَّا بَدَا لَهُ الطَّوِيُّ كَبَّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: بِئْرُ أَبِينَا إِسْمَاعِيلَ، وَإِنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، هَذَا أَمْرٌ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، قَالُوا: فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا، قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ. قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ، وَكَانَتْ بِمَشَارِفِ الشَّامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute