وَقِيلَ: بَلْ أَخَذَهُ بِإِذْنِ أُمِّهِ، وَسَارَ إِلَى مَكَّةَ فَقَدِمَهَا ضَحْوَةً وَالنَّاسُ فِي مَجَالِسِهِمْ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: مَنْ هَذَا وَرَاءَكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا عَبْدِي. حَتَّى أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ.
فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا الَّذِي مَعَكَ؟ قَالَ: عَبْدٌ لِي. وَاشْتَرَى لَهُ حُلَّةً فَلَبِسَهَا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ الْعَشِيَّ فَجَلَسَ إِلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَطُوفُ بِمَكَّةَ فَيُقَالُ: هَذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، لِقَوْلِهِ هَذَا عَبْدِي.
ثُمَّ أَوْقَفَهُ الْمُطَّلِبُ عَلَى مِلْكِ أَبِيهِ فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ. فَعَرَضَ لَهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ عَمُّهُ الْآخَرُ، بَعْدَ مَوْتِ الْمُطَّلِبِ، فِي رُكْحٍ لَهُ، وَهُوَ الْفِنَاءُ فَأَخَذَهُ، فَمَشَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى رِجَالَاتِ قُرَيْشٍ وَسَأَلَهُمُ النُّصْرَةَ عَلَى عَمِّهِ، فَقَالُوا لَهُ، مَا نَدْخُلُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَمِّكَ. فَكَتَبَ إِلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَصِفُ لَهُمْ حَالَهُ، فَخَرَجَ أَبُو سَعْدِ بْنُ عُدَسٍ النَّجَّارِيُّ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا حَتَّى أَتَى الْأَبْطَحَ، فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَتَلَقَّاهُ، فَقَالَ لَهُ: الْمَنْزِلَ يَا خَالِ! قَالَ: حَتَّى أَلْقَى نَوْفَلًا. وَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ فِي الْحِجْرِ مَعَ مَشَايِخِ قُرَيْشٍ، فَسَلَّ سَيْفَهُ ثُمَّ قَالَ: وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ لَتَرُدَّنَّ عَلَى ابْنِ أُخْتِنَا رُكْحَهُ أَوْ لَأَمْلَأَنَّ مِنْكَ السَّيْفَ! قَالَ: فَإِنِّي وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ أَرُدُّ عَلَيْهِ رُكْحَهُ، فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَ ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: الْمَنْزِلَ يَا ابْنَ أَخِي. فَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثًا، فَاعْتَمَرُوا وَانْصَرَفُوا.
فَدَعَا ذَلِكَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ إِلَى الْحِلْفِ، فَدَعَا بِشْرَ بْنَ عَمْرٍو وَوَرْقَاءَ بْنَ فُلَانٍ وَرِجَالًا مِنْ رِجَالَاتِ خُزَاعَةَ فَحَالَفَهُمْ فِي الْكَعْبَةِ وَكَتَبُوا كِتَابًا.
وَكَانَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ، وَشَرُفَ فِي قَوْمِهِ وَعَظُمَ شَأْنُهُ. ثُمَّ إِنَّهُ حَفَرَ زَمْزَمَ، وَهِيَ بِئْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، الَّتِي أَسْقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، فَدَفَنَتْهَا جُرْهُمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute