فَلَمَّا أَمْسَى بَعَثَ إِلَيْهِمْ: أَنِ ابْعَثُوا إِلَيَّ زَعِيمَكُمْ. فَبَعَثُوا إِلَيْهِ هُبَيْرَةُ بْنُ مُشَمْرَجٍ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ رَأَيْتُمْ عِظَمَ مُلْكِي وَأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مَنَعَكُمْ مِنِّي، وَأَنْتُمْ فِي يَدِي بِمَنْزِلَةِ الْبَيْضَةِ فِي كَفِّي، وَإِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ أَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ تَصْدُقُونِي قَتَلْتُكُمْ. قَالَ: سَلْ. قَالَ: لِمَ صَنَعْتُمْ بِزِيِّكُمُ الْأَوَّلِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ مَا صَنَعْتُمْ؟ قَالَ: أَمَّا زِيُّنَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ فَلِبَاسُنَا فِي أَهْلِنَا، وَأَمَّا الْيَوْمَ الثَّانِي فَزِيُّنَا إِذْ أَمِنَّا أُمَرَاءَنَا، وَأَمَّا الثَّالِثَ فَزِيُّنَا لِعَدِوِّنَا. قَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا دَبَّرْتُمْ دَهْرَكُمْ، فَقُولُوا لِصَاحِبِكُمْ يَنْصَرِفُ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ قِلَّةَ أَصْحَابِهِ، وَإِلَّا بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ مَنْ يُهْلِكُكُمْ. قَالَ: كَيْفَ يَكُونُ قَلِيلُ الْأَصْحَابِ مَنْ أَوَّلُ خَيْلِهِ فِي بِلَادِكَ وَآخِرُهَا فِي مَنَابِتِ الزَّيْتُونِ؟ وَأَمَّا تَخْوِيفُكَ إِيَّانَا بِالْقَتْلِ، فَإِنَّ لَنَا آجَالًا إِذَا حَضَرَتْ فَأَكْرَمُهَا الْقَتْلُ، وَلَسْنَا نَكْرَهُهُ وَلَا نَخَافُهُ، وَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ حَتَّى يَطَأَ أَرْضَكُمْ، وَيَخْتِمَ مُلُوكَكُمْ، وَيُعْطَى الْجِزْيَةَ.
فَقَالَ: فَإِنَّا نُخْرِجُهُ مِنْ يَمِينِهِ وَنَبْعَثُ تُرَابَ أَرْضِنَا فَيَطَأَهُ، وَنَبْعَثُ إِلَيْهِ بِبَعْضِ أَبْنَائِنَا فَيَخْتِمَهُمْ، وَنَبْعَثُ إِلَيْهِ بِجِزْيَةٍ يَرْضَاهَا. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ وَأَرْبَعَةِ غِلْمَانٍ مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِهِمْ، ثُمَّ أَجَازَهُمْ فَأَحْسَنَ، فَقَدِمُوا عَلَى قُتَيْبَةَ، فَقَبِلَ قُتَيْبَةُ الْجِزْيَةَ، وَخَتَمَ الْغِلْمَانَ وَرَدَّهُمْ، وَوَطِئَ التُّرَابَ. فَقَالَ سَوَادَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّلُولِيُّ:
لَا عَيْبَ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ بَعَثْتَهُمْ ... لِلصِّينِ إِنْ سَلَكُوا طَرِيقَ الْمَنْهَجِ
كَسَرُوا الْجُفُونَ عَلَى الْقَذَى خَوْفَ الرَّدَى
حَاشَا
الْكَرِيمَ هُبَيْرَةَ بْنَ مُشَمْرَجٍ ... أَدَّى رِسَالَتَكَ الَّتِي اسْتَرْعَيْتَهُ
فَأَتَاكَ مِنْ حِنْثِ الْيَمِينِ بِمَخْرَجِ
فَأَوْفَدَ قُتَيْبَةُ هُبَيْرَةَ إِلَى الْوَلِيدِ، فَمَاتَ بِقَرْيَةَ مِنْ فَارِسَ، فَرَثَاهُ سَوَادَةُ فَقَالَ:
لِلَّهِ دَرُّ هُبَيْرَةَ بْنِ مُشَمْرَجِ ... مَاذَا تَضَمَّنَ مِنْ نَدًى وَجَمَالِ
وَبَدِيهَةٍ يَعْيَا بِهَا أَبْنَاؤُهَا ... عِنْدَ احْتِفَالِ مَشَاهِدِ الْأَقْوَالِ
كَانَ الرَّبِيعَ إِذَا السُّيُوفُ تَتَابَعَتْ ... وَاللَّيْثَ عِنْدَ تَكَعْكُعِ الْأَبْطَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute