مَا عَمِلْتُهُ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ، وَأَكَّدَ الْيَمِينَ، لَأَخْلَعَنَّ جَاهِي، وَلَأُنْفِقَنَّ مَالِي حَتَّى أَبْلُغَ مَكْرُوهَهُ.
وَسَعَى فِي أَمْرِهِ، فَلَمْ يَجِدْ عَلَيْهِ طَرِيقًا لِاحْتِيَاطِهِ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَأَعْمَالِهِ، فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَحْتَالُ وَيَدُسُّ إِلَى الْمَهْدِيِّ، وَيَتَّهِمُهُ بِبَعْضِ حُرَمِهِ، وَبِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ، حَتَّى اسْتَحْكَمَتِ التُّهْمَةُ عِنْدَ الْمَهْدِيِّ بِابْنِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُحْضِرَ، وَأُخْرِجَ أَبُوهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ! اقْرَأْ، فَلَمْ يُحْسِنْ يَقْرَأُ شَيْئًا، فَقَالَ لِأَبِيهِ: أَلَمْ تُعْلِمْنِي أَنَّ ابْنَكَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُ فَارَقَنِي مُنْذُ سِنِينَ، وَقَدْ نَسِيَ.
قَالَ: فَقُمْ فَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ بِدَمِهِ، فَقَامَ لِيَقْتُلَ وَلَدَهُ فَعَثَرَ فَوَقَعَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ يُعْفِيَ الشَّيْخَ، فَافْعَلْ، فَأَمَرَ بِابْنِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَقَالَ لَهُ الرَّبِيعُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! تَقْتُلُ ابْنَهُ وَتَثِقُ إِلَيْهِ! لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ. فَاسْتَوْحَشَ مِنْهُ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا نَذْكُرُهُ.
ذِكْرُ عُبُورِ الصَّقْلَبِيِّ إِلَى الْأَنْدَلُسِ وَقَتْلِهِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتِّينَ، عَبَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ الْفِهْرِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِالصَّقْلَبِيِّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِطُولِهِ وَزُرْقَتِهِ وَشُقْرَتِهِ، مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ مُحَارِبًا لَهُمْ، لِيَدْخُلُوا فِي الطَّاعَةِ لِلدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَكَانَ عُبُورُهُ فِي سَاحِلِ تُدْمِيرَ، وَكَاتَبَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَقْظَانَ بِالدُّخُولِ فِي أَمْرِهِ، وَمُحَارَبَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيِّ، وَالدُّعَاءِ إِلَى طَاعَةِ الْمَهْدِيِّ.
وَكَانَ سُلَيْمَانُ بِبَرْشَلُونَةَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَاغْتَاظَ عَلَيْهِ، وَقَصَدَ بَلَدَهُ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْبَرْبَرِ، فَهَزَمَهُ سُلَيْمَانُ، فَعَادَ الصَّقْلَبِيُّ إِلَى تُدْمِيرَ، وَسَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيُّ نَحْوَهُ فِي الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَأَحْرَقَ السُّفُنَ تَضْيِيقًا عَلَى الصَّقْلَبِيِّ فِي الْهَرَبِ، فَقَصَدَ الصَّقْلَبِيُّ جَبَلًا مَنِيعًا بِنَاحِيَةِ بَلَنْسِيَةَ.
فَبَذَلَ الْأُمَوِيُّ أَلْفَ دِينَارٍ لِمَنْ أَتَاهُ بِرَأْسِهِ، فَاغْتَالَهُ رَجُلٌ مِنَ الْبَرْبَرِ، فَقَتَلَهُ، وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ، وَكَانَ قَتْلُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
وَفِيهَا ظَفِرَ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ بِالشَّامِ، فَأَخَذَهُ، وَقَدِمَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute