وَاللَّهِ مَا مَرْوَانُ بِذِي رَأْيٍ فِي دِينِهِ وَلَا نَفْسِهِ! وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ يُورِدُكَ وَلَا يُصْدِرُكَ! وَمَا أَنَا عَائِدٌ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا لِمُعَاتَبَتِكَ، أَذْهَبْتَ شَرَفَكَ وَغُلِبْتَ عَلَى رَأْيِكَ.
(فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ نَائِلَةُ ابْنَةُ الْفَرَافِصَةِ فَقَالَتْ: قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ عَلِيٍّ وَلَيْسَ يُعَاوِدُكَ، وَقَدْ أَطَعْتَ مَرْوَانَ يَقُودُكَ حَيْثُ شَاءَ. قَالَ: فَمَا أَصْنَعُ؟ قَالَتْ: تَتَّقِي اللَّهَ وَتَتَّبِعُ سُنَّةَ صَاحِبَيْكَ، فَإِنَّكَ مَتَى أَطَعْتَ مَرْوَانَ قَتَلَكَ، وَمَرْوَانُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرٌ وَلَا هَيْبَةٌ وَلَا مَحَبَّةٌ، وَإِنَّمَا تَرَكَكَ النَّاسُ لِمَكَانِهِ، فَأَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ فَاسْتَصْلِحْهُ فَإِنَّ لَهُ قَرَابَةً وَهُوَ لَا يُعْصَى. فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى عَلِيٍّ فَلَمْ يَأْتِهِ وَقَالَ: قَدْ أَعْلَمْتُهُ أَنِّي غَيْرُ عَائِدٍ. فَبَلَغَ مَرْوَانَ مَقَالَةُ نَائِلَةَ فِيهِ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا ابْنَةَ الْفَرَافِصَةِ! فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا تَذْكُرَنَّهَا بِحَرْفٍ فَأُسَوِّدَ وَجْهَكَ، فَهِيَ وَاللَّهِ أَنْصَحُ لِي! فَكَفَّ مَرْوَانُ) .
وَأَتَى عُثْمَانُ إِلَى عَلِيٍّ بِمَنْزِلِهِ لَيْلًا وَقَالَ لَهُ: إِنِّي غَيْرُ عَائِدٍ، وَإِنِّي فَاعِلٌ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَعْدَمَا تَكَلَّمْتَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْطَيْتَ مِنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَخَرَجَ مَرْوَانُ إِلَى النَّاسِ يَشْتُمُهُمْ عَلَى بَابِكَ وَيُؤْذِيهِمْ. فَخَرَجَ عُثْمَانُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: خَذَلْتَنِي وَجَرَّأْتَ النَّاسَ عَلَيَّ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ النَّاسِ ذَبًّا عَنْكَ، وَلَكِنِّي كُلَّمَا جِئْتُ بِشَيْءٍ أَظُنُّهُ لَكَ رِضًا جَاءَ مَرْوَانُ بِأُخْرَى فَسَمِعْتَ قَوْلَهُ وَتَرَكْتَ قَوْلِي.
وَلَمْ يَعُدْ عَلِيٌّ يَعْمَلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ إِلَى أَنْ مُنِعَ عُثْمَانُ الْمَاءَ. فَقَالَ عَلِيٌّ لِطَلْحَةَ (أُرِيدُ أَنْ) تُدْخَلَ عَلَيْهِ الرَّوَايَا، وَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى دَخَلَتِ الرَّوَايَا عَلَى عُثْمَانَ.
قَالَ: وَقَدْ قِيلَ إِنْ عَلِيًّا كَانَ عِنْدَ حَصْرِ عُثْمَانَ بِخَيْبَرَ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَ طَلْحَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ أَثَرٌ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ أَتَاهُ عُثْمَانُ وَقَالَ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِي حَقَّ الْإِسْلَامِ وَحَقَّ الْإِخَاءِ وَالْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَكُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَكَانَ عَارًا عَلَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْ يَنْتَزِعَ أَخُو بَنِي تَيْمٍ، يَعْنِي طَلْحَةَ أَمْرَهُمْ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: سَيَأْتِيكَ الْخَبَرُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَرَأَى أُسَامَةَ فَتَوَكَّأَ عَلَى يَدِهِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ طَلْحَةَ، وَهُوَ [فِي] خَلْوَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: يَا طَلْحَةُ مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي وَقَعْتَ فِيهِ؟ فَقَالَ يَا أَبَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute