فِي ابْنِ نِيسَانَ وَاشْتَطُّوا فِي الْمَطَالِبِ.
فَحِينَ صَارَتِ الْحَالُ كَذَلِكَ أَخْرَجَ ابْنُ نِيسَانَ نِسَاءَهُ إِلَى الْقَاضِي الْفَاضِلِ، وَزِيرِ صَلَاحِ الدِّينِ، يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الْأَمَانَ وَلْأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَأَنْ يُؤَخِّرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى يَنْقُلَ مَا لَهُ بِالْبَلَدِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالذَّخَائِرِ، فَسَعَى لَهُ الْفَاضِلُ فِي ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ الْبَلَدَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنَ الْمُحَرَّمِ هَذِهِ السَّنَةَ، وَأَخْرَجَ خِيَمَهُ إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ، وَرَامَ نَقْلَ مَالِهِ، فَتَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِزَوَالِ حُكْمِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَاطِّرَاحِهِمْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، وَيَسْأَلُهُ مُسَاعَدَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَدَّهُ بِالدَّوَابِّ وَالرِّجَالِ، فَنُقِلَ الْبَعْضُ وَسُرِقَ الْبَعْضُ وَانْقَضَتِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَمُنِعَ مِنَ الْبَاقِي.
وَكَانَتْ أَبْرَاجُ الْمَدِينَةِ مَمْلُوءَةً مِنْ أَنْوَاعِ الذَّخَائِرِ، فَتَرَكَهَا بِحَالِهَا، وَلَوْ أَخْرَجَ الْبَعْضَ مِنْهَا لَحَفِظَ الْبَلَدَ وَسَائِرَ نِعَمِهِ وَأَمْوَالِهِ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ، فَلَمَّا تَسَلَّمَهَا صَلَاحُ الدِّينِ سَلَّمَهَا نُورُ الدِّينِ إِلَى صَاحِبِ الْحِصْنِ، فَقِيلَ لَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا: إِنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةَ فِيهَا مِنَ الذَّخَائِرِ مَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَلَوْ أَخَذْتَ ذَلِكَ وَأَعْطَيْتَهُ جُنْدَكَ وَأَصْحَابَكَ، وَسَلَّمْتَ الْبَلَدَ إِلَيْهِ فَارِغًا، لَكَانَ رَاضِيًا، فَإِنَّهُ لَا يَطْمَعُ فِي غَيْرِهِ. فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُعْطِيَهُ الْأَصْلَ وَأَبْخَلُ بِالْفَرْعِ، فَلَمَّا تَسَلَّمَ نُورُ الدِّينِ الْبَلَدَ اصْطَنَعَ دَعْوَةً عَظِيمَةً، وَدَعَا إِلَيْهَا صَلَاحَ الدِّينِ وَأُمَرَاءَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلِ الْبَلَدَ، وَقَدَّمَ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ مِنَ التُّحَفِ وَالْهَدَايَا أَشْيَاءً كَثِيرَةً.
ذِكْرُ مُلْكِ صَلَاحِ الدِّينِ تَلَّ خَالِدٍ وَعَيْنَ تَابَ مِنْ أَعْمَالِ الشَّامِ
لَمَّا فَرَغَ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ أَمْرِ آمِدَ سَارَ إِلَى الشَّامِ، وَقَصَدَ تَلَّ خَالِدٍ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ حَلَبَ، فَحَصَرَهَا وَرَمَاهَا بِالْمَنْجَنِيقِ، فَنَزَلَ أَهْلُهَا وَطَلَبُوا الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ، وَتَسَلَّمَهَا فِي الْمُحَرَّمِ أَيْضًا.
ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى عَيْنِ تَابَ فَحَصَرَهَا وَبِهَا نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ أَخُو الشَّيْخِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute