إِسْمَاعِيلَ الَّذِي كَانَ خَازِنَ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِي وَصَاحِبَهُ، وَكَانَ قَدْ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ نُورُ الدِّينِ، فَبَقِيَتْ مَعَهُ إِلَى الْآنَ. فَلَمَّا نَازَلَهُ صَلَاحُ الدِّينِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَطْلُبُ أَنْ يُقِرَّ الْحِصْنَ بِيَدِهِ وَيَنْزِلَ إِلَى خِدْمَتِهِ وَيَكُونَ تَحْتَ حُكْمِهِ وَطَاعَتِهِ، فَأَجَابَهُ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى ذَلِكَ، وَحَلَفَ لَهُ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ، وَصَارَ فِي خِدْمَتِهِ، وَكَانَ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
ذِكْرُ وَقْعَتَيْنِ مَعَ الْفِرِنْجِ فِي الْبَحْرِ وَالشَّامِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، سَارَ أُسْطُولُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مِصْرَ فِي الْبَحْرِ، فَلَقُوا بُطْسَةً فِيهَا نَحْوُ ثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْفِرِنْجِ بِالسِّلَاحِ التَّامِّ، وَمَعَهُمُ الْأَمْوَالُ وَالسِّلَاحُ إِلَى فِرِنْجِ السَّاحِلِ، فَقَاتَلُوهُمْ، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، وَكَانَ الظَّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَخَذُوا الْفِرِنْجَ أَسْرَى، فَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ وَأَبْقَوْا بَعْضَهُمْ أَسْرَى، وَغَنِمُوا مَا مَعَهُمْ وَعَادُوا إِلَى مِصْرَ سَالِمِينَ.
وَفِيهَا أَيْضًا سَارَتْ عِصَابَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْفِرِنْجِ مِنْ نَوَاحِي الدَّارُومِ إِلَى نَوَاحِي مِصْرَ لِيُغِيرُوا وَيَنْهَبُوا، فَسَمِعَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ (صَدَرَ) وَأَيْلَةَ، فَانْتَزَحَ الْفِرِنْجُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ فَنَزَلُوا بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ الْعُسَيْلَةُ، وَسَبَقُوا الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ عِطَاشٌ قَدْ أَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَاكِ، فَرَأَوُا الْفِرِنْجَ قَدْ مَلَكُوا الْمَاءَ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِلُطْفِهِ سَحَابَةً عَظِيمَةً، فَمُطِرُوا مِنْهَا حَتَّى رَوَوْا، وَكَانَ الزَّمَانُ قَيْظًا، وَالْحَرُّ شَدِيدًا فِي بَرٍّ مُهْلِكٍ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَوَثِقُوا بِنَصْرِ اللَّهِ لَهُمْ، وَقَاتَلُوا الْفِرِنْجَ فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ الْفَرِيدُ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مَا مَعَهُمْ مِنْ سِلَاحٍ وَدَوَابَّ، وَعَادُوا مَنْصُورِينَ قَاهِرِينَ بِفَضْلِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مُلْكِ صَلَاحِ الدِّينِ حَلَبَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ عَيْنِ تَابَ إِلَى حَلَبَ، فَنَزَلَ عَلَيْهَا فِي الْمُحَرَّمِ أَيْضًا، فِي الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، وَأَقَامَ بِهِ عِدَّةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى جَبَلِ جَوْشَنَ فَنَزَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute