للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ ابْنُ خَاقَانَ يَوْمَئِذٍ بِأَذْرَبِيجَانَ يُغِيرُ وَيَنْهَبُ وَيَسْبِي وَيَقْتُلُ، وَهُوَ مُحَاصِرٌ مَدِينَةَ وَرْثَانَ، فَخَافَ الْحَرَشِيُّ أَنْ يَمْلِكَهَا، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ إِلَى أَهْلِ وَرْثَانَ سِرًّا يُعَرِّفُهُمْ وُصُولَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالصَّبْرِ، فَسَارَ الْقَاصِدُ، وَلَقِيَهُ بَعْضُ الْخَزَرِ فَأَخَذُوهُ وَسَأَلُوهُ عَنْ حَالِهِ، فَأَخْبَرَهُمْ وَصَدَقَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنْ فَعَلْتَ مَا نَأْمُرُكَ بِهِ أَحْسَنَّا إِلَيْكَ وَأَطْلَقْنَاكَ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ. قَالَ: فَمَا الَّذِي تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: تَقُولُ لَأَهْلِ وَرْثَانَ إِنَّكُمْ لَيْسَ لَكُمْ مَدَدٌ وَلَا مَنْ يَكْشِفُ مَا بِكُمْ، وَتَأْمُرُهُمْ بِتَسْلِيمِ الْبَلَدِ إِلَيْنَا. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.

فَلَمَّا قَارَبَ الْمَدِينَةَ وَقَفَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ أَهْلُهَا كَلَامَهُ فَقَالَ لَهُمْ: أَتَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ أَنْتَ فُلَانٌ. قَالَ: فَإِنَّ الْحَرَشِيُّ قَدْ وَصَلَ إِلَى مَكَانِ كَذَا فِي عَسَاكِرَ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ يَأْمُرُكُمْ بِحِفْظِ الْبَلَدِ وَالصَّبْرِ، فَفِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ يَصِلُ إِلَيْكُمْ.

فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ.

وَقَتَلَتِ الْخَزَرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَرَحَلُوا عَنْ مَدِينَةِ وَرْثَانَ، فَوَصَلَهَا الْحَرَشِيُّ فِي الْعَسَاكِرِ وَلَيْسَ عِنْدَهَا أَحَدٌ. فَارْتَحَلَ يَطْلُبُ الْخَزَرَ إِلَى أَرْدَبِيلَ، فَسَارَ الْخَزَرُ عَنْهَا وَنَزَلَ الْحَرَشِيُّ بَاجَرْوَانَ، فَأَتَاهُ فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَنِيمَةِ؟ قَالَ: كَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: هَذَا عَسْكَرُ الْخَزَرِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ خَمْسَةُ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُسَارَى أَوْ سَبَايَا، وَقَدْ نَزَلُوا عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ.

فَسَارَ الْحَرَشِيُّ لَيْلًا فَوَافَاهُمْ آخِرَ اللَّيْلِ وَهُمْ نِيَامٌ، فَفَرَّقَ أَصْحَابَهُ فِي أَرْبَعِ جِهَاتٍ فَكَبَسَهُمْ مَعَ الْفَجْرِ، وَوَضَعَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمُ السَّيْفَ، فَمَا بَزَغَتِ الشَّمْسُ حَتَّى قُتِلُوا أَجْمَعِينَ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَطْلَقَ الْحَرَشِيُّ مَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخَذَهُمْ إِلَى بَاجَرْوَانَ، فَلَمَّا دَخَلَهَا أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ صَاحِبُ الْفَرَسِ الْأَبْيَضِ فَسَلَّمَ وَقَالَ: هَذَا جَيْشٌ لِلْخَزَرِ وَمَعَهُمْ أَمْوَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَحُرَمُ الْجَرَّاحِ وَأَوْلَادُهُ بِمَكَانِ كَذَا. فَسَارَ الْحَرَشِيُّ إِلَيْهِمْ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ، فَوَضَعُوا فِيهِمُ السَّيْفَ فَقَتَلُوهُمْ كَيْفَ شَاءُوا، وَلَمْ يُفْلِتْ مِنَ الْخَزَرِ إِلَّا الشَّرِيدُ، وَاسْتَنْقَذُوا مَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَخَذَ أَوْلَادَ الْجَرَّاحِ فَأَكْرَمَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَحَمَلَ الْجَمِيعَ إِلَى بَاجَرْوَانَ.

وَبَلَغَ خَبَرُ مَا فَعَلَهُ الْحَرَشِيُّ بِعَسَاكِرِ الْخَزَرِ ابْنَ مَلِكِهِمْ، فَوَبَّخَ عَسَاكِرَهُ وَذَمَّهُمْ وَنَسَبَهُمْ إِلَى الْعَجْزِ وَالْوَهَنِ، فَحَرَّضَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِجَمْعِ أَصْحَابِهِ وَالْعَوْدِ إِلَى قِتَالِ الْحَرَشِيِّ. فَجَمَعَ أَصْحَابَهُ مِنْ نَوَاحِي أَذْرَبِيجَانَ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُ عَسَاكِرُ كَثِيرَةٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>