وَسَارَ الْحَرَشِيُّ إِلَيْهِ فَالْتَقَيَا بِأَرْضِ بَرْزَنْدَ، وَاقْتَتَلَ النَّاسُ أَشَدَّ قِتَالٍ وَأَعْظَمَهُ، فَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ يَسِيرًا، فَحَرَّضَهُمُ الْحَرَشِيُّ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ فَعَادُوا إِلَى الْقِتَالِ وَصَدَقُوهُمُ الْحَمْلَةَ، وَاسْتَغَاثَ مَنْ مَعَ الْخَزَرِ مِنَ الْأُسَارَى وَنَادَوْا بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ، فَعِنْدَهَا حَرَّضَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا وَبَكَى رَحْمَةً لِلْأَسْرَى، وَاشْتَدَّتْ نِكَايَتُهُمْ فِي الْعَدُوِّ، فَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ مُنْهَزِمِينَ، وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى بَلَغُوا بِهِمْ نَهْرَ أُرْسٍ، وَعَادُوا عَنْهُمْ وَحَوَوْا مَا فِي عَسَاكِرِهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْغَنَائِمِ، وَأَطْلَقُوا الْأَسْرَى وَالسَّبَايَا وَحَمَلُوا الْجَمِيعَ إِلَى بَاجَرْوَانَ.
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَلِكِ الْخَزَرِ جَمَعَ مَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ عَسَاكِرِهِ وَعَادَ بِهِمْ نَحْوَ الْحَرَشِيِّ، فَنَزَلَ عَلَى نَهْرِ الْبَيْلَقَانِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْحَرَشِيِّ فَسَارَ نَحْوَهُ فِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَافَاهُمْ وَهُمْ عَلَى نَهْرِ الْبَيْلَقَانِ، فَالْتَقَوْا هُنَاكَ، فَصَاحَ الْحَرَشِيُّ بِالنَّاسِ، فَحَمَلُوا حَمْلَةً صَادِقَةً ضَعْضَعُوا صُفُوفَ الْخَزَرِ، وَتَابَعَ الْحَمَلَاتِ وَصَبَرَ الْخَزَرُ صَبْرًا عَظِيمًا، ثُمَّ كَانَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِمْ، فَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ مُنْهَزِمِينَ، وَكَانَ مَنْ غَرِقَ مِنْهُمْ فِي النَّهْرِ أَكْثَرَ مِمَّنْ قُتِلَ.
وَجَمَعَ الْحَرَشِيُّ الْغَنَائِمَ وَعَادَ إِلَى بَاجَرْوَانَ فَقَسَّمَهَا، وَأَرْسَلَ الْخُمْسَ إِلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعَرَّفَهُ مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ هِشَامٌ يَشْكُرُهُ.
وَأَقَامَ بِبَاجَرْوَانَ، فَأَتَاهُ كِتَابُ هِشَامٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ، وَاسْتَعْمَلَ أَخَاهُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى إِرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ، فَوَصَلَ إِلَى الْبِلَادِ وَسَارَ إِلَى التُّرْكِ فِي شِتَاءٍ شَدِيدٍ حَتَّى جَازَ الْبَابَ فِي آثَارِهِمْ.
ذِكْرُ وَقْعَةِ الْجُنَيْدِ بِالشِّعْبِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ الْجُنَيْدُ غَازِيًا يُرِيدُ طَخَارِسْتَانَ، فَوَجَّهَ عُمَارَةَ بْنَ حُرَيْمٍ إِلَى طَخَارِسْتَانَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَوَجَّهَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ بَسَّامٍ اللَّيْثِيَّ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَجَاشَتِ التُّرْكُ فَأَتَوْا سَمَرْقَنْدَ وَعَلَيْهَا سَوْرَةُ بْنُ الْحُرِّ، فَكَتَبَ سَوْرَةُ إِلَى الْجُنَيْدِ: إِنَّ خَاقَانَ جَاشَ التُّرْكَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَلَمْ أُطِقْ [أَنْ] أَمْنَعَ حَائِطَ سَمَرْقَنْدَ، فَالْغَوْثَ الْغَوْثَ!
فَأَمَرَ الْجُنَيْدُ النَّاسَ بِعُبُورِ النَّهْرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ الْمُجَشِّرُ بْنُ مُزَاحِمٍ السُّلَمِيُّ وَابْنُ بِسْطَامٍ الْأَزْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالُوا: إِنَّ التُّرْكَ لَيْسُوا كَغَيْرِهِمْ لَا يَلْقَوْنَكَ صَفًّا وَلَا زَحْفًا وَقَدْ فَرَّقْتَ جُنْدَكَ، فَمُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِالْبَيْرُوذِ، وَالْبَخْتَرِيُّ بِهَرَاةَ، وَعُمَارَةُ بْنُ حُرَيْمٍ غَائِبٌ بِطَخَارِسْتَانَ، وَصَاحِبُ خُرَاسَانَ لَا يَعْبُرُ النَّهْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا، فَاكْتُبْ إِلَى عُمَارَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute