فَلْيَأْتِكَ وَأَمْهِلْ وَلَا تَعْجَلْ.
قَالَ: فَكَيْفَ بِسَوْرَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ لَوْ لَمْ أَكُنْ إِلَّا فِي بَنِي مُرَّةَ أَوْ مَنْ طَلَعَ مَعِي مِنَ الشَّامِ لَعَبَرْتُ، وَقَالَ شِعْرًا:
أَلَيْسَ أَحَقُّ النَّاسِ أَنْ يَشْهَدَ الْوَغَى ... وَأَنْ يَقْتُلَ الْأَبْطَالَ ضَخْمًا عَلَى ضَخْمِ
وَقَالَ:
مَا عِلَّتِي مَا عِلَّتِي مَا عِلَّتِي ... إِنْ لَمْ أُقَتِّلْهُمْ فَجُزُّوا لُمَّتِي
وَعَبَرَ الْجُنَيْدُ فَنَزَلَ كَشَّ وَتَأَهَّبَ لِلْمَسِيرِ، وَبَلَغَ التُّرْكَ فَعَوَّرُوا الْآبَارَ الَّتِي فِي طَرِيقِ كَشٍّ، فَقَالَ الْجُنَيْدُ: أَيُّ طَرِيقٍ إِلَى سَمَرْقَنْدَ أَصْلَحُ؟ فَقَالُوا: طَرِيقُ الْمُحْتَرِقَةِ. فَقَالَ الْمُجَشِّرُ: الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ أَصْلَحُ مِنَ الْقَتْلِ بِالنَّارِ، طَرِيقُ الْمُحْتَرِقَةِ كَثِيرُ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ وَلَمْ يُزْرَعْ مُنْذُ سِنِينَ، فَإِنْ لَقِينَا خَاقَانَ أَحْرَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَقَتَلَنَا بِالنَّارِ وَالدُّخَانِ، وَلَكِنْ خُذْ طَرِيقَ الْعَقَبَةِ فَهُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَوَاءٌ. فَأَخَذَ الْجُنَيْدُ طَرِيقَ الْعَقَبَةِ فَارْتَقَى فِي الْجَبَلِ، فَأَخَذَ الْمُجَشِّرُ بِعِنَانِ دَابَّتِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يُقَالُ إِنَّ رَجُلًا مُتْرَفًا مِنْ قَيْسٍ يَهْلِكُ عَلَى يَدَيْهِ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ خُرَاسَانَ وَقَدْ خِفْنَا أَنْ تَكُونَهُ. قَالَ: لِيُفْرِخْ رَوْعُكَ. قَالَ: أَمَّا مَا كَانَ بَيْنَنَا مِثْلُكَ فَلَا. فَبَاتَ فِي أَصْلِ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ سَارَ بِالنَّاسِ حَتَّى صَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَمَرْقَنْدَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَدَخَلَ الشِّعْبَ، فَصَبَّحَهُ خَاقَانُ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ، وَزَحَفَ إِلَيْهِ أَهْلُ الصُّغْدِ وَفَرْغَانَةَ وَالشَّاشِ وَطَائِفَةٌ مِنَ التُّرْكِ، فَحَمَلَ خَاقَانُ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، وَعَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، فَرَجَعُوا إِلَى الْعَسْكَرِ وَالتُّرْكُ تَتْبَعُهُمْ وَجَاءُوهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَجَعَلَ الْجُنَيْدُ تَمِيمًا وَالْأَزْدَ فِي الْمَيْمَنَةِ، وَرَبِيعَةَ فِي الْمَيْسَرَةِ مِمَّا يَلِي الْجَبَلَ، وَعَلَى مُجَفَّفَةِ خَيْلِ بَنِي تَمِيمٍ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زُهَيْرِ بْنِ حَيَّانَ، وَعَلَى الْمُجَرَّدَةِ عَمْرَو بْنَ جِرْقَاشٍ الْمِنْقَرِيَّ، وَعَلَى جَمَاعَةِ بَنِي تَمِيمٍ عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ الْحِمَّانِيَّ، وَعَلَى الْأَزْدِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بِسْطَامِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَلَى الْمُجَفَّفَةِ وَالْمُجَرَّدَةِ فُضَيْلَ بْنَ هَنَّادٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَوْذَانَ.
فَالْتَقَوْا، وَقَصَدَ الْعَدُوُّ الْمَيْمَنَةَ لِضِيقِ الْمَيْسَرَةِ، فَتَرَجَّلَ حَسَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زُهَيْرٍ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ، فَأَمَرَهُ أَبُوهُ بِالرُّكُوبِ، فَرَكِبَ، وَأَحَاطَ الْعَدُوَّ بِالْمَيْمَنَةِ، فَأَمَدَّهُمُ الْجُنَيْدُ بِنَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، فَشَدَّ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْعَدُوِّ فَكَشَفُوهُمْ، ثُمَّ كَرُّوا عَلَيْهِمْ وَقَتَلُوا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زُهَيْرٍ وَابْنَ جِرْقَاشَ وَالْفُضَيْلَ بْنَ هَنَّادٍ، وَجَالَتِ الْمَيْمَنَةُ وَالْجُنَيْدُ وَاقِفٌ فِي الْقَلْبِ، فَأَقْبَلَ إِلَى الْمَيْمَنَةِ وَوَقَفَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَزْدِ، وَكَانَ قَدْ جَفَاهُمْ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute