للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّايَةِ: مَا هَلَكْنَا لِتُكْرِمَنَا، وَلَكِنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَيْكَ وَمِنَّا رَجُلٌ حَيٌّ، فَإِنْ ظَفِرْنَا كَانَ لَكَ، وَإِنْ هَلَكْنَا لَمْ تَبْكِ عَلَيْنَا. وَتَقَدَّمَ فَقُتِلَ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ ابْنُ مُجَّاعَةَ فَقُتِلَ، وَتَدَاوَلَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَقُتِلُوا، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَزْدِ ثَمَانُونَ رَجُلًا.

وَصَبَرَ النَّاسُ يُقَاتِلُونَ حَتَّى أُعْيُوا، فَكَانَتِ السُّيُوفُ لَا تَقْطَعُ شَيْئًا، فَقَطَعَ عَبِيدُهُمُ الْخَشَبَ يُقَاتِلُونَ بِهِ حَتَّى مَلَّ الْفَرِيقَانِ، فَكَانَتِ الْمُعَانَقَةُ ثُمَّ تَحَاجَزُوا.

وَقُتِلَ مِنَ الْأَزْدِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِسْطَامٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْذَانَ، وَالْحَسَنُ بْنُ شَيْخٍ، وَالْفُضَيْلُ صَاحِبُ الْخَيْلِ، وَيَزِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْحِدَّانِيُّ، وَكَانَ قَدْ حَجَّ فَأَنْفَقَ فِي حَجَّتِهِ ثَمَانِينَ وَمِائَةَ أَلْفٍ، وَقَالَ لِأُمِّهِ: ادْعِي اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ، فَدَعَتْ لَهُ وَغُشِيَ عَلَيْهَا، فَاسْتُشْهِدَ بَعْدَ مَقْدِمِهِ مِنَ الْحَجِّ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقُتِلَ النَّضْرُ بْنُ رَاشِدٍ الْعَبْدِيُّ، وَكَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ أَنْتِ إِذَا أُتِيتِ بِأَبِي ضَمْرَةَ فِي لِبْدٍ مُضَرَّجًا بِالدَّمِ؟ فَشَقَّتْ جَيْبَهَا وَدَعَتْ بِالْوَيْلِ، فَقَالَ لَهَا: حَسْبُكِ، لَوْ أَعْوَلَتْ عَلَيَّ كُلُّ أُنْثَى لَعَصَيْتُهَا شَوْقًا إِلَى (الْحُورِ الْعِينِ! فَرَجَعَ وَقَاتَلَ حَتَّى اسْتُشْهِدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

فَبَيْنَا النَّاسُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ) رَهَجٌ وَطَلَعَتْ فُرْسَانٌ، فَنَادَى مُنَادِي الْجُنَيْدِ: الْأَرْضَ الْأَرْضَ! فَتَرَجَّلَ وَتَرَجَّلَ النَّاسُ، ثُمَّ نَادَى: لِيُخَنْدِقْ كُلُّ قَائِدٍ عَلَى حِيَالِهِ، فَخَنْدَقُوا وَتَحَاجَزُوا، وَقَدْ أُصِيبَ مِنَ الْأَزْدِ مِائَةٌ وَتِسْعُونَ رَجُلًا.

وَكَانَ قِتَالُهُمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ قَصَدَهُمْ خَاقَانُ وَقْتَ الظُّهْرِ فَلَمْ يَرَ مَوْضِعًا لِلْقِتَالِ أَسْهَلَ مِنْ مَوْضِعِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَعَلَيْهِمْ زِيَادُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَصَدَهُمْ، فَلَمَّا قَرُبُوا حَمَلَتْ بَكْرٌ عَلَيْهِمْ فَأَفْرَجُوا لَهُمْ، فَسَجَدَ الْجُنَيْدُ وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ.

ذِكْرُ مَقْتَلِ سَوْرَةَ بْنِ الْحُرِّ

فَلَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ وَرَأَى الْجُنَيْدُ شِدَّةَ الْأَمْرِ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ: اخْتَرْ إِمَّا أَنْ تَهْلِكَ أَنْتَ أَوْ سَوْرَةُ بْنُ الْحُرِّ. قَالَ: هَلَاكُ سَوْرَةَ أَهْوَنُ عَلَيَّ. قَالَ: فَاكْتُبْ (إِلَيْهِ فَلْيَأْتِكَ فِي أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَإِنَّهُ إِذَا بَلَغَ التُّرْكَ إِقْبَالُهُ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ فَقَاتَلُوهُ) . فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْجُنَيْدُ يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ. وَقَالَ حُلَيْسُ بْنُ غَالِبٍ الشَّيْبَانِيُّ: إِنَّ التُّرْكَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>