الْجُنَيْدِ، فَإِنْ خَرَجْتَ كَرُّوا عَلَيْكَ فَاخْتَطَفُوكَ. فَكَتَبَ إِلَى الْجُنَيْدِ: إِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْجُنَيْدُ: يَابْنَ اللَّخْنَاءِ تَخْرُجُ، وَإِلَّا وَجَّهْتُ إِلَيْكَ شَدَّادَ بْنَ خُلَيْدٍ الْبَاهِلِيَّ، وَكَانَ عَدُوَّهُ، فَاخْرُجِ الْزَمِ الْمَاءَ وَلَا تُفَارِقْهُ، فَأَجْمَعَ عَلَى الْمَسِيرِ وَقَالَ: إِذَا سِرْتُ عَلَى النَّهْرِ لَا أَصِلُ فِي يَوْمَيْنِ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ لَيْلَةٌ، فَإِذَا سَكَتَ الرَّجُلُ سِرْتُ.
فَجَاءَتْ عُيُونُ الْأَتْرَاكِ فَأَخْبَرُوهُمْ بِمَقَالَةِ سَوْرَةَ، وَرَحَلَ سَوْرَةُ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى سَمَرْقَنْدَ مُوسَى بْنَ أَسْوَدَ الْحَنْظَلِيَّ، وَسَارَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَأَصْبَحَ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، فَتَلَقَّاهُ خَاقَانُ حِينَ أَصْبَحَ، وَقَدْ سَارَ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُنَيْدِ فَرْسَخٌ فَقَاتَلَهُمْ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ وَصَبَرُوا. فَقَالَ غُوزَكُ لِخَاقَانَ: الْيَوْمَ حَارٌّ فَلَا نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَحْمَى عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ، فَوَافَقَهُمْ وَأَشْعَلَ النَّارَ فِي الْحَشِيشِ وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ، فَقَالَ سَوْرَةُ لِعُبَادَةَ: مَا تَرَى يَا أَبَا سُلَيْمٍ؟ فَقَالَ: أَرَى أَنَّ التُّرْكَ يُرِيدُونَ الْغَنِيمَةَ، فَاعْقِرِ الدَّوَابَّ وَأَحْرِقِ الْمَتَاعَ وَجَرِّدِ السَّيْفَ، فَإِنَّهُمْ يُخَلُّونَ لَنَا الطَّرِيقَ، وَإِنْ مَنَعُونَا شَرَعْنَا الرِّمَاحَ وَنَزْحَفُ زَحْفًا، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْسَخٌ حَتَّى نَصِلَ إِلَى الْعَسْكَرِ. فَقَالَ: لَا أَقْوَى عَلَى هَذَا وَلَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَعَدَّ رِجَالًا، وَلَكِنْ أَجْمَعُ الْخَيْلَ فَأَصُكُّهُمْ بِهَا سَلِمْتُ أَمْ عَطِبْتُ. .
وَجَمَعَ النَّاسَ وَحَمَلُوا، فَانْكَشَفَ التُّرْكُ وَثَارَ الْغُبَارُ فَلَمْ يُبْصِرُوا، وَمِنْ وَرَاءِ التُّرْكِ لَهِيبٌ فَسَقَطُوا فِيهِ، وَسَقَطَ الْعَدُوُّ وَالْمُسْلِمُونَ وَسَقَطَ سَوْرَةُ فَانْدَقَّتْ فَخِذُهُ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، فَقَتَلَهُمُ التُّرْكُ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ غَيْرَ أَلْفَيْنِ، وَيُقَالُ أَلْفٌ، وَكَانَ مِمَّنْ نَجَا مِنْهُمْ عَاصِمُ بْنُ عُمَيْرٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَاسْتُشْهِدَ حُلَيْسُ بْنُ غَالِبٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَانْحَازَ الْمُهَلَّبُ بْنُ زِيَادٍ الْعِجْلِيُّ فِي سَبْعِمِائَةٍ إِلَى رُسْتَاقَ يُسَمَّى الْمَرْغَابُ فَنَزَلُوا قَصْرًا هُنَاكَ، فَأَتَاهُمُ الْأَشْكَنْدُ صَاحِبُ نَسَفَ فِي خَيْلٍ وَمَعَهُ غَوْزَكُ، فَأَعْطَاهُمْ غَوْزَكُ الْأَمَانَ. فَقَالَ قُرَيْشُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيُّ: لَا تَثِقُوا بِهِمْ، وَلَكِنْ إِذَا جَنَّنَا اللَّيْلُ خَرَجْنَا عَلَيْهِمْ حَتَّى نَأْتِيَ سَمَرْقَنْدَ. فَعَصَوْهُ فَنَزَلُوا بِالْأَمَانِ، فَسَاقَهُمْ إِلَى خَاقَانَ فَقَالَ: لَا أُجِيزُ أَمَانَ غَوْزَكَ، فَقَاتَلَهُمُ الْوَجْفُ بْنُ خَالِدٍ وَالْمُسْلِمُونَ فَأُصِيبُوا غَيْرَ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَقُتِلُوا غَيْرَ ثَلَاثَةٍ.
وَقُتِلَ سَوْرَةُ فِي اللَّهَبِ، فَلَمَّا قُتِلَ خَرَجَ الْجُنَيْدُ مِنَ الشِّعْبِ يُرِيدُ سَمَرْقَنْدَ مُبَادِرًا، فَقَالَ لَهُ خَالِدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: سِرْ وَأَسْرِعْ. فَقَالَ لَهُ الْمُجَشِّرُ: انْزِلْ وَخُذْ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ، فَنَزَلَ وَنَزَلَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ نُزُولُهُمْ حَتَّى طَلَعَ التُّرْكُ، فَقَالَ الْمُجَشِّرُ لَهُ: لَوْ لَاقَوْنَا وَنَحْنُ نَسِيرُ أَلَمْ يُهْلِكُونَا؟ فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَنَاهَضُوا فَجَالَ النَّاسُ، فَقَالَ الْجُنَيْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا النَّارُ، فَرَجَعُوا، وَنَادَى الْجُنَيْدُ: أَيُّ عَبْدٍ قَاتَلَ فَهُوَ حُرٌّ. فَقَاتَلَ الْعَبِيدُ قِتَالًا عَجِبَ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute