للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ، فَسُرُّوا بِمَا رَأَوْا مِنْ صَبْرِهِمْ، وَصَبَرَ النَّاسُ حَتَّى انْهَزَمَ الْعَدُوُّ وَمَضَوْا، فَقَالَ مُوسَى ابْنُ التَّعْرَاءِ [لِلنَّاسِ] : تَفْرَحُونَ بِمَا رَأَيْتُمْ مِنَ الْعَبِيدِ! إِنَّ لَكُمْ مِنْهُمْ لَيَوْمًا أَرُوزْبَانَ.

وَمَضَى الْجُنَيْدُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ فَحَمَلَ عِيَالَ مَنْ كَانَ مَعَ سَوْرَةَ إِلَى مَرْوَ، وَأَقَامَ بِالصُّغْدِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وَكَانَ صَاحِبُ رَأْيِ خُرَاسَانَ فِي الْحَرْبِ الْمُجَشِّرُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صُبْحٍ الْخَرَقِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الْهَجَرِيُّ، وَكَانَ الْمُجَشِّرُ يُنْزِلُ النَّاسَ عَلَى رَايَاتِهِمْ وَيَضَعُ الْمَسَالِحَ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِثْلُ رَأْيِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِذَا نَزَلَ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ فِي الْحَرْبِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِثْلُ رَأْيِهِ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى تَعْبِيَةِ الْقِتَالِ. وَكَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمَوَالِي مِثْلَ هَؤُلَاءِ فِي الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ وَالْعِلْمِ بِالْحَرْبِ، فَمِنْهُمْ: الْفَضْلُ بْنُ بَسَّامٍ، مَوْلَى لَيْثٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى سُلَيْمٍ، وَالْبَخْتَرِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ، مَوْلَى شَيْبَانَ.

فَلَمَّا انْصَرَفَ التُّرْكُ بَعَثَ الْجُنَيْدُ نَهَارَ بْنَ تَوْسِعَةَ، أَحَدَ بَنِي تَيْمِ اللَّاتِ، وَزِبْلَ بْنَ سُوَيْدٍ الْمُرِّيَّ إِلَى هِشَامٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ سَوْرَةَ عَصَانِي، أَمَرْتُهُ بِلُزُومِ الْمَاءِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَأَتَتْنِي طَائِفَةٌ [إِلَى كَشٍّ] ، وَطَائِفَةٌ إِلَى نَسَفَ، وَطَائِفَةٌ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، وَأُصِيبَ سَوْرَةُ فِي بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ.

فَسَأَلَ هِشَامٌ نَهَارَ بْنَ تَوْسِعَةَ عَنِ الْخَبَرِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا شَهِدَ، فَكَتَبَ هِشَامٌ إِلَى الْجُنَيْدِ: قَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكَ عَشَرَةَ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَعَشَرَةَ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَمِنَ السِّلَاحِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ رُمْحٍ، وَمِثْلُهَا تِرَسَةٌ، فَافْرِضْ فَلَا غَايَةَ لَكَ فِي الْفَرِيضَةِ لِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا. فَلَمَّا سَمِعَ هِشَامٌ مُصَابَ سَوْرَةَ (قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مُصَابُ سَوْرَةَ) بِخُرَاسَانَ وَمُصَابُ الْجَرَّاحِ بِالْبَابِ.

وَأَبْلَى نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ يَوْمَئِذٍ بَلَاءً حَسَنًا. وَأَرْسَلَ الْجُنَيْدُ لَيْلَةً بِالشِّعْبِ رَجُلًا وَقَالَ [لَهُ] : تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ وَكَيْفَ حَالُهُمْ. فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَأَيْتُهُمْ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ، يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ. فَسَرَّهُ ذَلِكَ.

قَالَ عُبَيْدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ النُّعْمَانِ: رَأَيْتُ فَسَاطِيطَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِسْطَامٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقُتِلُوا فِي غَدٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَرَرْتُ فِي ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>