اتَّخَذْتَ مِنْ خَيْلِ قَيْسٍ فَحْلًا يَكُونُ أَصْلًا لِخَيْلِكَ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: خَيْلِي خَيْرٌ مِنْ خَيْلِ قَيْسٍ، وَلَجَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَرَاهَنَا عَلَى فَرَسَيْنِ مِنْ خَيْلِ قَيْسٍ وَفَرَسَيْنِ مِنْ خَيْلِ حُذَيْفَةَ، وَالرَّهْنُ عَشْرَةُ أَذْوَادٍ.
وَسَارَ وَرْدٌ فَقَدِمَ عَلَى قَيْسٍ بِمَكَّةَ فَأَعْلَمَهُ الْحَالَ، فَقَالَ لَهُ: أَرَاكَ قَدْ أَوْقَعْتَنِي فِي بَنِي بَدْرٍ وَوَقَعْتَ مَعِي، وَحُذَيْفَةُ ظَلُومٌ لَا تَطِيبُ نَفْسُهُ بِحَقٍّ، وَنَحْنُ لَا نُقِرُّ لَهُ بِضَيْمٍ. وَرَجَعَ قَيْسٌ مِنَ الْعُمْرَةِ، فَجَمَعَ قَوْمَهُ وَرَكِبَ إِلَى حُذَيْفَةَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَفُكَّ الرَّهْنَ، فَلَمْ يَفْعَلْ. فَسَأَلَهُ جَمَاعَةُ فَزَارَةَ وَعَبْسٍ فَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنْ أَقَرَّ قَيْسٌ أَنَّ السَّبْقَ لِي وَإِلَّا فَلَا، فَقَالَ أَبُو جَعْدَةَ الْفَزَارِيُّ:
آلَ بَدْرٍ دَعُوا الرِّهَانَ فَإِنَّا ... قَدْ مَلِلْنَا اللَّجَاجَ عِنْدَ الرِّهَانِ
وَدَعُوا الْمَرْءَ فِي فَزَارَةَ جَارًا ... إِنَّ مَا غَابَ عَنْكُمُ كَالْعِيَانِ
لَيْتَ شِعْرِي عَنْ هَاشِمٍ وَحُصَيْنٍ ... وَابْنِ عَوْفٍ وَحَارِثٍ وَسِنَانِ
حِينَ يَأْتِيهِمُ لَجَاجُكَ قَيْسًا ... رَأْيَ صَاحٍ أَتَيْتَ أَمْ نَشْوَانِ
وَسَأَلَ حُذَيْفَةُ إِخْوَتَهُ وَسَادَاتِ أَصْحَابِهِ فِي تَرْكِ الرِّهَانِ وَلَجَّ فِيهِ، وَقَالَ قَيْسٌ: عَلَامَ تُرَاهِنُنِي؟ قَالَ: عَلَى فَرَسَيْكَ دَاحِسٍ وَالْغَبْرَاءِ وَفَرَسِي الْخَطَّارِ وَالْحَنْفَاءِ، وَقِيلَ: كَانَ الرَّهْنُ عَلَى فَرَسَيْ دَاحِسٍ وَالْغَبْرَاءِ. قَالَ قَيْسٌ: دَاحِسٌ أَسْرَعُ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: الْغَبْرَاءُ أَسْرَعُ، وَقَالَ لِقَيْسٍ: أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّمَكَ أَنَّ بَصَرِي بِالْخَيْلِ أَثْقَبُ مِنْ بَصَرِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. فَقَالَ لَهُ قَيْسٌ: نَفِّسْ فِي الْغَايَةِ وَارْفَعْ فِي السَّبْقِ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: الْغَايَةُ مِنْ أُبْلَى إِلَى ذَاتِ الْإِصَادِ، وَهُوَ قَدْرُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ غَلْوَةً، وَالسَّبْقُ مِائَةُ بَعِيرٍ، وَضَمَّرُوا الْخَيْلَ. فَلَمَّا فَرَغُوا قَادُوا الْخَيْلَ إِلَى الْغَايَةِ وَحَشَدُوا وَلَبِسُوا السِّلَاحَ، وَتَرَكُوا السَّبْقَ عَلَى يَدِ عِقَالِ ابْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ الْقَيْسِيِّ، وَأَعَدُّوا الْأُمَنَاءَ عَلَى إِرْسَالِ الْخَيْلِ.
وَأَقَامَ حُذَيْفَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ فِي الطَّرِيقِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْقَى دَاحِسًا فِي وَادِي ذَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute