للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِصَادِ إِنْ مَرَّ بِهِ سَابِقًا فَيَرْمِي بِهِ إِلَى أَسْفَلِ الْوَادِي.

فَلَمَّا أُرْسِلَتِ الْخَيْلُ سَبَقَهَا دَاحِسٌ سَبْقًا بَيِّنًا، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَقَيْسٌ وَحُذَيْفَةُ عَلَى رَأْسِ الْغَايَةِ فِي جَمِيعِ قَوْمِهِمَا. فَلَمَّا هَبَطَ دَاحِسٌ فِي الْوَادِي عَارَضَهُ الْأَسَدِيُّ فَلَطَمَ وَجْهَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ، فَكَادَ يَغْرَقُ هُوَ وَرَاكِبُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَّا وَقَدْ فَاتَتْهُ الْخَيْلُ. وَأَمَّا رَاكِبُ الْغَبْرَاءِ فَإِنَّهُ خَالَفَ طَرِيقَ دَاحِسٍ لَمَّا رَآهُ قَدْ أَبْطَأَ وَعَادَ إِلَى الطَّرِيقِ وَاجْتَمَعَ مَعَ فَرَسَيْ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ سَقَطَتِ الْحَنْفَاءُ وَبَقِيَ الْغَبْرَاءُ وَالْخَطَّارُ، فَكَانَا إِذَا أَحْزَنَا سَبَقَ الْخَطَّارُ وَإِذَا أَسْهَلَا سَبَقَتِ الْغَبْرَاءُ. فَلَمَّا قَرُبَا مِنَ النَّاسِ وَهُمَا فِي وَعْثٍ مِنَ الْأَرْضِ تَقَدَّمَ الْخَطَّارُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَبَقَكَ يَا قَيْسُ. " فَقَالَ رُوَيْدَكَ يَعْلُونَ الْجُدُدَ "، فَذَهَبَتْ مَثَلًا. فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِمَا الْأَرْضُ قَالَ حُذَيْفَةُ: خَدَعَ وَاللَّهِ صَاحِبُنَا. فَقَالَ قَيْسٌ: " تَرَكَ الْخِدَاعَ مَنْ أَجْرَى مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ "، فَذَهَبَتْ مَثَلًا.

ثُمَّ إِنَّ الْغَبْرَاءَ جَاءَتْ سَابِقَةً وَتَبِعَهَا الْخَطَّارُ فَرَسُ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ الْحَنْفَاءُ لَهُ أَيْضًا، ثُمَّ جَاءَ دَاحِسٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْغُلَامُ يَسِيرُ بِهِ عَلَى رِسْلِهِ، فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ قَيْسًا بِمَا صُنِعَ بِفَرَسِهِ، فَأَنْكَرَ حُذَيْفَةُ ذَلِكَ وَادَّعَى السَّبْقَ ظَالِمًا، وَقَالَ: جَاءَ فَرَسَايَ مُتَتَابِعَيْنِ، وَمَضَى قَيْسٌ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ حَبَسُوا دَاحِسًا وَاخْتَلَفُوا.

وَبَلَغَ الرَّبِيعَ بْنَ زِيَادٍ خَبَرُهُمْ فَسَّرَهُ ذَلِكَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلَكَ وَاللَّهِ قَيْسٌ، وَكَأَنِّي بِهِ إِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ حُذَيْفَةُ وَقَدْ أَتَاكُمْ يَطْلُبُ مِنْكُمُ الْجِوَارَ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلَ مَا لَنَا مِنْ ضَمِّهِ مِنْ بُدٍّ.

ثُمَّ إِنَّ الْأَسَدِيَّ نَدِمَ عَلَى حَبْسِ دَاحِسٍ فَجَاءَ إِلَى قَيْسٍ وَاعْتَرَفَ بِمَا صَنَعَ فَسَبَّهُ حُذَيْفَةُ.

ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَدْرٍ قَصَرُوا بِقَيْسٍ وَإِخْوَتِهِ وَآذُوهُمْ بِالْكَلَامِ، فَعَاتَبَهُمْ قَيْسٌ، فَلَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا بَغْيًا عَلَيْهِ وَإِيذَاءً لَهُ.

ثُمَّ إِنَّ قَيْسًا وَحُذَيْفَةَ تَنَاكَرَا فِي السَّبْقِ حَتَّى هَمَّا بِالْمُؤَاخَذَةِ، فَمَنَعَهُمَا النَّاسُ، وَظَهَرَ لَهُمْ بَغْيُ حُذَيْفَةَ وَظُلْمُهُ، وَلَجَّ فِي طَلَبِ السَّبْقِ، فَأَرْسَلَ ابْنَهُ نُدْبَةَ إِلَى قَيْسٍ يُطَالِبُهُ بِهِ، فَلَمَّا أَبْلَغَهُ الرِّسَالَةَ طَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، وَعَادَتْ فَرَسُهُ إِلَى أَبِيهِ، وَنَادَى قَيْسٌ: يَا بَنِي عَبْسٍ الرَّحِيلَ! فَرَحَلُوا كُلُّهُمْ، وَلَمَّا أَتَتِ الْفَرَسُ حُذَيْفَةَ عَلِمَ أَنَّ وَلَدَهُ قُتِلَ، فَصَاحَ فِي النَّاسِ وَرَكِبَ فِي مَنْ مَعَهُ وَأَتَى مَنَازِلَ بَنِي عَبْسٍ فَرَآهَا خَالِيَةً وَرَأَى ابْنَهُ قَتِيلًا، فَنَزَلَ إِلَيْهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَدَفَنُوهُ.

وَكَانَ مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ أَخُو قَيْسٍ مُتَزَوِّجًا فِي فَزَارَةَ وَهُوَ نَازِلٌ فِيهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَيْسٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>