للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِمَامَتِي؟ أَلَمْ أَفْعَلْ؟ أَلَمْ أَسْتَعْمِلْكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا أَخْرَجَكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُخْطِئُ مَرَّةً وَيُصِيبُ مَرَّةً. فَطَابَتْ نَفْسُ الْحَجَّاجِ، ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةً فِي عُنُقِي، فَغَضِبَ الْحَجَّاجُ وَانْتَفَخَ، وَقَالَ: يَا سَعِيدُ أَلَمْ أَقْدَمْ مَكَّةَ، فَقَتَلْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذْتُ بَيْعَةَ أَهْلِهَا، وَأَخَذْتُ بَيْعَتَكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: ثُمَّ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَالِيًا، فَجَدَّدْتُ الْبَيْعَةَ، فَأَخَذْتُ بَيْعَتَكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ثَانِيَةً؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَتَنْكُثُ بَيْعَتَيْنِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتُوفِي بِوَاحِدَةٍ لِلْحَائِكِ ابْنِ الْحَائِكِ، وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّكَ! قَالَ: إِنِّي إِذًا لَسَعِيدٌ كَمَا سَمَّتْنِي أُمِّي. فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ رَقَبَتُهُ، فَبَدَرَ رَأْسُهُ عَلَيْهِ كُمَّةٌ بَيْضَاءُ لَاطِيَةٌ، فَلَمَّا سَقَطَ رَأْسُهُ هَلَّلَ ثَلَاثًا، أَفْصَحَ بِمَرَّةٍ وَلَمْ يُفْصِحْ بِمَرَّتَيْنِ.

فَلَمَّا قُتِلَ الْتَبَسَ عَقْلُ الْحَجَّاجِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: قُيُودُنَا قُيُودُنَا! فَظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُ الْقُيُودَ، فَقَطَعُوا رِجْلَيْ سَعِيدٍ مِنْ أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَأَخَذُوا الْقُيُودَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ إِذَا نَامَ يَرَاهُ فِي مَنَامِهِ يَأْخُذُ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ، فَيَقُولُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ فِيمَ قَتَلْتَنِي؟ فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ! مَا لِي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ!

ذِكْرُ غَزْوَةِ الشَّاشِ وَفَرْغَانَةَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَطَعَ قُتَيْبَةُ النَّهْرَ، وَفَرَضَ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى وَكَشَّ وَنَسَفَ وَخُوَارَزْمَ عِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، فَسَارُوا مَعَهُ، فَوَجَّهَهُمْ إِلَى الشَّاشِ، وَتَوَجَّهَ هُوَ إِلَى فَرْغَانَةَ فَأَتَى خُجَنْدَةَ، فَجَمَعَ لَهُ أَهْلُهَا فَلَقُوهُ فَاقْتَتَلُوا مِرَارًا، كُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ الظَّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ إِنَّ قُتَيْبَةَ أَتَى كَاشَانَ مَدِينَةَ فَرْغَانَةَ، وَأَتَاهُ الْجُنُودُ الَّذِينَ وَجَّهَهُمْ إِلَى الشَّاشِ وَقَدْ فَتَحُوهَا وَأَحْرَقُوا أَكْثَرَهَا، وَانْصَرَفَ إِلَى مَرْوَ، وَقَالَ سَحْبَانُ يَذْكُرُ قِتَالَهُمْ بِخُجَنْدَةَ فَقَالَ:

فَسَلِ الْفَوَارِسَ فِي خُجَنْ ... دَةَ تَحْتَ مُرْهَفَةِ الْعَوَالِي

هَلْ كُنْتُ أَجْمَعَهُمْ إِذَا ... هُزِمُوا وَأُقْدِمُ فِي الْقِتَالِ

أَمْ كُنْتُ أَضْرِبُ هَامَةَ الْ ... عَاتِي وَأَصْبِرُ لِلْعَوَالِي

<<  <  ج: ص:  >  >>