الْمُقْرِئُ بِالْمَوْصِلِ، وَكَانَ عَارِفًا بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالْقِرَاءَاتِ، لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مِثْلُهُ، وَكَانَ ضَرِيرًا، وَكَانَ يَعْرِفُ سِوَى هَذِهِ الْعُلُومِ مِنَ الْفِقْهِ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعْرِفَةً حَسَنَةً، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ وَصَالِحِيهِمْ، كَثِيرَ التَّوَاضُعِ، لَا يَزَالُ النَّاسُ يَشْتَغِلُونَ عَلَيْهِ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى اللَّيْلِ.
[ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ]
وَفِيهَا فَارِقَ أَمِيرُ الْحَاجِّ مُظَفَّرُ الدِّينِ سُنْقُرُ مَمْلُوكُ الْخَلِيفَةِ الْمَعْرُوفُ بِوَجْهِ السَّبُعِ الْحَاجَّ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْمَرْجُومُ، وَمَضَى فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الشَّامِ، وَسَارَ الْحَاجُّ وَمَعَهُمُ الْجُنْدُ، فَوَصَلُوا سَالِمِينَ، وَوَصَلَ هُوَ إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، فَأَقْطَعَهُ إِقْطَاعًا كَثِيرًا بِمِصْرَ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّمِائَةٍ فِي جُمَادَى الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَمَّا قُبِضَ الْوَزِيرُ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَرْسَلَ يَطْلُبُ الْعَوْدَ، فَأُجِيبَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَ أَكْرَمَهُ الْخَلِيفَةُ وَأَقْطَعَهُ الْكُوفَةَ.
[الْوَفَيَاتُ]
وَفِيهَا، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، تُوُفِّيَ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّطْرُونِيِّ، فِي مَارَسْتَانَ بَغْدَادَ، وَكَانَ قَدْ مَضَى إِلَى الْمَايُورْقِيِّ فِي رِسَالَةٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ، فَحَصَلَ لَهُ مِنْهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ مَغْرِبِيَّةٍ، فَرَّقَهَا جَمِيعَهَا فِي بَلَدِهِ عَلَى مَعَارِفِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، وَكَانَ فَاضِلًا خَيِّرًا - نِعْمَ الرَّجُلِ، رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ، وَكَانَ قَيِّمًا بِعِلْمِ الْأَدَبِ، وَأَقَامَ بِالْمَوْصِلِ مُدَّةً، وَاشْتَغَلَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَرَمِ وَاجْتَمَعْتُ بِهِ كَثِيرًا عِنْدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute