فَلَمَّا وَصَلَتْ كُتُبُ مُقَدَّمِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ إِلَى التَّتَرِ يَسْتَدْعِيهِمْ إِلَى قَصْدِ جَلَالِ الدِّينِ، بَادَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَدَخَلُوا بِلَادَهُمْ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الرَّيِّ وَهَمَذَانَ وَمِمَّا بَيْنَهُمَا مِنَ الْبِلَادِ، ثُمَّ قَصَدُوا أَذْرَبِيجَانَ فَخَرَّبُوا وَنَهَبُوا وَقَتَلُوا مَنْ ظَفِرُوا بِهِ مِنْ أَهْلِهَا، وَجَلَالُ الدِّينِ لَا يُقْدِمُ عَلَى أَنْ يَلْقَاهُمْ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ عَنِ الْبِلَادِ، قَدْ مُلِئَ رُعْبًا وَخَوْفًا، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ عَسْكَرَهُ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، وَخَرَجَ وَزِيرُهُ عَنْ طَاعَتِهِ فِي طَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ.
وَكَانَ السَّبَبُ غَرِيبًا أَظْهَرَ مِنْ قِلَّةِ عَقْلِ جَلَالِ الدِّينِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَادِمٌ خَصِيٌّ، وَكَانَ جَلَالُ الدِّينِ يَهْوَاهُ، وَاسْمُهُ قَلِجُ، فَاتَّفَقَ أَنَّ الْخَادِمَ مَاتَ، فَأَظْهَرَ مِنَ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَلَا لِمَجْنُونِ لَيْلَى، وَأَمَرَ الْجُنْدَ وَالْأُمَرَاءَ أَنْ يَمْشُوا فِي جِنَازَتِهِ رَجَّالَةً، وَكَانَ مَوْتُهُ بِمَوْضِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تِبْرِيزَ عِدَّةُ فَرَاسِخَ، فَمَشَى النَّاسُ رَجَّالَةً، وَمَشَى بَعْضَ الطَّرِيقِ رَاجِلًا، فَأَلْزَمَهُ أُمَرَاؤُهُ وَوَزِيرُهُ بِالرُّكُوبِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى تِبْرِيزَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْبَلَدِ، فَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ عَنِ الْبَلَدِ لِتَلَقِّي تَابُوتِ الْخَادِمِ، فَفَعَلُوا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَمْ يُبْعِدُوا، وَلَمْ يُظْهِرُوا مِنَ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلُوا، وَأَرَادَ مُعَاقَبَتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَشَفَعَ فِيهِمْ أُمَرَاؤُهُ فَتَرَكَهُمْ.
ثُمَّ لَمْ يُدْفَنْ ذَلِكَ الْخَصِيُّ، وَإِنَّمَا يَسْتَصْحِبُهُ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ، وَهُوَ يَلْطُمُ وَيَبْكِي، فَامْتَنَعَ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَكَانَ إِذَا قُدِّمَ لَهُ طَعَامٌ، يَقُولُ: احْمِلُوا مِنْ هَذَا إِلَى فُلَانٍ، يَعْنِي الْخَادِمَ، وَلَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ [أَنْ] يَقُولَ إِنَّهُ مَاتَ، فَإِنَّهُ قِيلَ لَهُ مَرَّةً إِنَّهُ مَاتَ، فَقَتَلَ الْقَائِلَ لَهُ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانُوا يَحْمِلُونَ إِلَيْهِ الطَّعَامَ، وَيَعُودُونَ فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُقَبِّلُ الْأَرْضَ وَيَقُولُ: إِنَّنِي الْآنَ أَصْلَحُ مِمَّا كُنْتُ، فَلَحِقَ أُمَرَاءَهُ مِنَ الْغَيْظِ وَالْأَنَفَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ مَا حَمَلَهُمْ عَلَى مُفَارَقَةِ طَاعَتِهِ وَالِانْحِيَازِ عَنْهُ مَعَ وَزِيرِهِ، فَبَقِيَ حَيْرَانَ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ، وَلَا سِيَّمَا لَمَّا خَرَجَ التَّتَرُ، فَحِينَئِذٍ دَفَنَ الْغُلَامَ الْخَصِيَّ، وَرَاسَلَ الْوَزِيرَ وَاسْتَمَالَهُ وَخَدَعَهُ إِلَى أَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ، بَقِيَ أَيَّامًا وَقَتَلَهُ جَلَالُ الدِّينِ، وَهَذِهِ نَادِرَةٌ غَرِيبَةٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا.
ذِكْرُ مُلْكِ التَّتَرِ مَرَاغَةَ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ حَصَرَ التَّتَرُ مَرَاغَةَ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ، فَامْتَنَعَ أَهْلُهَا، ثُمَّ أَذْعَنَ أَهْلُهَا بِالتَّسْلِيمِ عَلَى أَمَانٍ طَلَبُوهُ، فَبَذَلُوا لَهُمُ الْأَمَانَ، وَتَسَلَّمُوا الْبَلَدَ وَقَتَلُوا فِيهِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute