يُكْثِرُوا الْقَتْلَ وَجَعَلُوا فِي الْبَلَدِ شِحْنَةً، وَعَظُمَ حِينَئِذٍ شَأْنُ التَّتَرِ، وَاشْتَدَّ خَوْفُ النَّاسِ مِنْهُمْ بِأَذْرَبِيجَانَ، فَاللَّهُ - تَعَالَى - يَنْصُرُ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ نَصْرًا مِنْ عِنْدِهِ، فَمَا نَرَى فِي مُلُوكِ الْإِسْلَامِ مَنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَلَا فِي نُصْرَةِ الدِّينِ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ عَلَى لَهْوِهِ وَلَعِبِهِ وَظُلْمِ رَعِيَّتِهِ، وَهَذَا أَخْوَفُ عِنْدِي مِنَ الْعَدُوِّ، وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥] .
ذِكْرُ وُصُولِ جَلَالِ الدِّينِ إِلَى آمِدَ، وَانْهِزَامِهِ عِنْدَهَا، وَمَا كَانَ مِنْهُ.
لَمَّا رَأَى جَلَالُ الدِّينِ مَا يَفْعَلُهُ التَّتَرُ فِي بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ، وَأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ بِهَا يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ، وَيَأْسِرُونَ وَيُخَرِّبُونَ الْبِلَادَ، وَيَجْبُونَ الْأَمْوَالَ، وَهُمْ عَازِمُونَ عَلَى قَصْدِهِ، وَرَأَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَهْنِ وَالضَّعْفِ، فَارَقَ أَذْرَبِيجَانَ إِلَى بِلَادِ خِلَاطَ، وَأَرْسَلَ إِلَى النَّائِبِ بِهَا عَنِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ يَقُولُ لَهُ: مَا جِئْنَا لِلْحَرْبِ وَلَا لِلْأَذَى، إِنَّمَا خَوْفُ هَذَا الْعَدُوِّ حَمَلَنَا عَلَى قَصْدِ بِلَادِكُمْ.
وَكَانَ عَازِمًا عَلَى أَنْ يَقْصِدَ دِيَارَ بَكْرٍ وَالْجَزِيرَةَ، وَيَقْصِدَ بَابَ الْخَلِيفَةِ يَسْتَنْجِدُهُ وَجَمِيعَ الْمُلُوكِ عَلَى التَّتَرِ، وَيَطْلُبَ مِنْهُمُ الْمُسَاعَدَةَ عَلَى دَفْعِهِمْ، وَيُحَذِّرَهُمْ عَاقِبَةَ إِهْمَالِهِمْ، فَوَصَلَ إِلَى خِلَاطَ، فَبَلَغَهُ أَنَّ التَّتَرَ يَطْلُبُونَهُ، وَهُمْ مُجِدُّونَ فِي أَثَرِهِ، فَسَارَ إِلَى آمِدَ، وَجَعَلَ لَهُ الْيَزَكَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ خَوْفًا مِنَ الْبَيَاتِ، فَجَاءَتْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّتَرِ يَقُصُّونَ أَثَرَهُ، فَوَصَلُوا إِلَيْهِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي فِيهِ الْيَزَكُ، فَأَوْقَعُوا بِهِ لَيْلًا وَهُوَ بِظَاهِرِ مَدِينَةِ آمِدَ، فَمَضَى مُنْهَزِمًا عَلَى وَجْهِهِ، وَتَفَرَّقَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ وَتَمَزَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَصَدَ طَائِفَةٌ مِنْ عَسْكَرِهِ حَرَّانَ، فَأَوْقَعَ بِهِمُ الْأَمِيرُ صَوَابٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَسْكَرِ الْكَامِلِ بِحَرَّانَ، فَأَخَذُوا مَا مَعَهُمْ مِنْ مَالٍ، وَسِلَاحٍ وَدَوَابَّ، وَقَصَدَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ نَصِيبِينَ وَالْمَوْصِلَ، وَسِنْجَارَ وإِرْبِلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ، فَتَخَطَّفَهُمُ الْمُلُوكُ وَالرَّعَايَا، وَطَمِعَ فِيهِمْ كُلُّ أَحَدٍ، حَتَّى الْفَلَّاحُ وَالْكُرْدِيُّ، وَالْبَدَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ وَجَازَاهُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ، وَقَبِيحِ فِعْلِهِمْ فِي خِلَاطَ وَغَيْرِهَا، وَبِمَا سَعَوْا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْفَسَادِ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، فَازْدَادَ جَلَالُ الدِّينِ ضَعْفًا إِلَى ضَعْفِهِ، وَوَهْنًا إِلَى وَهْنِهِ بِمَنْ تَفَرَّقَ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَبِمَا جَرَى عَلَيْهِمْ.
فَلَمَّا فَعَلَ التَّتَرُ بِهِمْ ذَلِكَ، وَمَضَى مُنْهَزِمًا مِنْهُمْ، دَخَلُوا دِيَارَ بَكْرٍ فِي طَلَبِهِ ; لِأَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute