لَمْ يَعْلَمُوا أَيْنَ قَصَدَ، وَلَا أَيَّ طَرِيقٍ سَلَكَ، فَسُبْحَانَ مَنْ بَدَّلَ أَمْنَهُمْ خَوْفًا، وَعِزَّهُمْ ذُلًّا، وَكَثْرَتَهُمْ قِلَّةً، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، الْفَعَّالُ لَمَّا يَشَاءُ.
ذِكْرُ دُخُولِ التَّتَرِ دِيَارَ بَكْرٍ وَالْجَزِيرَةَ، وَمَا فَعَلُوهُ فِي الْبِلَادِ مِنَ الْفَسَادِ.
لَمَّا انْهَزَمَ جَلَالُ الدِّينِ مِنَ التَّتَرِ عَلَى آمِدَ، نَهَبَ التَّتَرُ سَوَادَ آمِدَ وَأَرْزَنَ ومَيَّافَارِقِينَ، وَقَصَدُوا مَدِينَةَ أَسْعَرْدَ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُهَا، فَبَذَلَ لَهُمُ التَّتَرُ الْأَمَانَ، فَوَثِقُوا مِنْهُمْ وَاسْتَسْلَمُوا، فَلَمَّا تَمَكَّنَ التَّتَرُ مِنْهُمْ، وَضَعُوا فِيهِمُ السَّيْفَ وَقَتَلُوهُمْ حَتَّى كَادُوا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا مَنِ اخْتَفَى، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.
حَكَى لِي بَعْضُ التُّجَّارِ، وَكَانَ قَدْ وَصَلَ آمِدَ، أَنَّهُمْ حَزَرُوا الْقَتْلَى مَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةَ عَشْرَ أَلْفِ قَتِيلٍ، وَكَانَ مَعَ هَذَا التَّاجِرِ جَارِيَةٌ مِنْ أَسْعَرْدَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ سَيِّدَهَا خَرَجَ لِيُقَاتِلَ، وَكَانَ لَهُ أُمٌّ، فَمَنَعَتْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ سِوَاهُ، فَلَمْ يُصْغِ إِلَى قَوْلِهَا، فَمَشَتْ مَعَهُ، فَقُتِلَا جَمِيعًا، وَوَرِثَهَا ابْنُ أَخٍ لِلْأُمِّ، فَبَاعَهَا مِنْ هَذَا التَّاجِرِ، وَذَكَرَتْ مِنْ كَثْرَةِ الْقَتْلَى أَمْرًا عَظِيمًا، وَأَنَّ مُدَّةَ الْحِصَارِ كَانَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ.
ثُمَّ سَارُوا مِنْهَا إِلَى مَدِينَةِ طَنْزَةَ فَفَعَلُوا فِيهَا كَذَلِكَ، وَسَارُوا مِنْ طَنْزَةَ إِلَى وَادٍ بِالْقُرْبِ مِنْ طَنْزَةَ يُقَالُ لَهُ وَادِي الْقُرَيْشِيَّةِ، فِيهِ مِيَاهٌ جَارِيَةٌ، وَبَسَاتِينُ كَثِيرَةٌ، وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ ضَيِّقٌ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ الْقُرَيْشِيَّةِ فَمَنَعُوهُمْ عَنْهُ، وَامْتَنَعُوا عَلَيْهِمْ، وَقُتِلَ بَيْنَهُمْ كَثِيرٌ، فَعَادَ التَّتَرُ وَلَمْ يَبْلُغُوا مِنْهُمْ غَرَضًا، وَسَارُوا فِي الْبِلَادِ لَا مَانِعَ يَمْنَعُهُمْ، وَلَا أَحَدَ يَقِفُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَوَصَلُوا إِلَى مَارِدِينَ فَنَهَبُوا مَا وَجَدُوا مِنْ بَلَدِهَا، وَاحْتَمَى صَاحِبُ مَارِدِينَ وَأَهْلُ دُنَيْسِرَ بِقَلْعَةِ مَارِدِينَ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ جَاوَرَ الْقَلْعَةَ احْتَمَى بِهَا أَيْضًا.
ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى نَصِيبِينَ الْجَزِيرَةَ، فَأَقَامُوا عَلَيْهَا بَعْضَ نَهَارٍ، وَنَهَبُوا سَوَادَهَا وَقَتَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute