للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ لَا تَبْلُغُهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُقْدِمَنَا قَبْلَهُ، يَعْنِي مَوْتَ الْهَادِي، أَتَظُنُّ النَّاسَ يُسَلِّمُونَ الْخِلَافَةَ لِجَعْفَرٍ، وَهُوَ لَمْ يَبْلُغِ الْحِنْثَ، أَوْ يَرْضَوْنَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ، وَحَجِّهِمْ، وَغَزْوِهِمْ؟ ! قَالَ: مَا أَظُنُّ ذَلِكَ.

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفَنَأْمَنُ أَنْ يَسْمُوَ إِلَيْهَا أَكَابِرُ أَهْلِكَ، مِثْلُ فُلَانٍ، وَيَطْمَعَ فِيهَا غَيْرُهُمْ، فَتَخْرُجَ مِنْ وَلَدِ أَبِيكَ؟ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَعْقِدْهُ الْمَهْدِيُّ لِأَخِيكَ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْقِدَهُ أَنْتَ لَهُ، فَكَيْفَ بِأَنْ تَحُلَّهُ عَنْهُ وَقَدْ عَقَدَهُ الْمَهْدِيُّ لَهُ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُقِرَّ الْأَمْرَ عَلَى حَالِهِ، فَإِذَا بَلَغَ جَعْفَرٌ أَتَيْتَهُ بِالرَّشِيدِ، فَخَلَعَ نَفْسَهُ لَهُ وَبَايَعَهُ. فَقَبِلَ قَوْلَهُ، وَقَالَ: نَبَّهْتَنِي عَلَى أَمْرٍ لَمْ أَتَنَبَّهْ لَهُ. وَأَطْلَقَهُ.

ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْقُوَّادَ عَاوَدُوا الْقَوْلَ فِيهِ، فَأَرْسَلَ الْهَادِي إِلَى الرَّشِيدِ فِي ذَلِكَ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: اسْتَأْذِنْهُ فِي الصَّيْدِ، فَإِذَا خَرَجْتَ فَأَبْعِدْ، وَدَافِعِ الْأَيَّامَ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ، فَمَضَى إِلَى قَصْرِ بَنِي مُقَاتِلٍ، فَأَقَامَ [بِهِ] أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَأَنْكَرَ الْهَادِي أَمْرَهُ، وَخَافَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِالْعَوْدِ، فَتَعَلَّلَ عَلَيْهِ، فَأَظْهَرَ الْهَادِي شَتْمَهُ، وَبَسَطَ مَوَالِيهِ وَقُوَّادُهُ فِيهِ أَلْسِنَتَهُمْ، فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَادَ الرَّشِيدُ.

وَقَدْ كَانَ الْهَادِي فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ جَلَسَ، وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ قُوَّادِهِ، وَعِنْدَهُ الرَّشِيدُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا هَارُونُ كَأَنِّي بِكَ وَأَنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ بِتَمَامِ الرُّؤْيَا، وَدُونَ ذَلِكَ خَرْطُ الْقَتَادِ.

فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: يَا مُوسَى إِنَّكَ إِنْ تَجَبَّرْتَ وُضِعْتَ، وَإِنْ تَوَاضَعْتَ رُفِعْتَ، وَإِنْ ظَلَمْتَ قُتِلْتَ، وَإِنْ أَنْصَفْتَ سَلِمْتَ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُفْضِيَ الْأَمْرُ إِلَيَّ، فَأُنْصِفَ مَنْ ظَلَمْتَ، وَأَصِلَ مَنْ قَطَعْتَ، وَأَجْعَلَ أَوْلَادَكَ أَعْلَى مِنْ أَوْلَادِي، وَأُزَوِّجَهُمْ بَنَاتِي، وَأَبْلُغَ مَا يَجِبُ مِنْ حَقِّ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ.

فَقَالَ لَهُ الْهَادِي: ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ، وَقَبَّلَ يَدَهُ، ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ: لَا وَالشَّيْخِ الْجَلِيلِ، وَالْمَلِكِ النَّبِيلِ، أَعْنِي الْمَنْصُورَ، لَا جَلَسْتَ إِلَّا مَعِي، فَأَجْلَسَهُ فِي صَدْرِ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُحْمَلَ إِلَيْهِ أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَنْ يُحْمَلَ إِلَيْهِ نِصْفُ الْخَرَاجِ.

وَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ الْحَرَّانِيِّ: اعْرِضْ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَزَائِنِ مِنْ مَالِنَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>