ثُمَّ سَارَ إِلَى طَرَسُوسَ فَحَصَرَهَا، فَأَذْعَنَ أَهْلُهَا بِالطَّاعَةِ، وَطَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ وَفَتَحُوا الْبَلَدَ، فَلَقِيَهُمْ بِالْجَمِيلِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا مِنْ سِلَاحِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ (مَا يُطِيقُونَ) وَيَتْرُكُوا الْبَاقِيَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَسَارُوا بَرًا وَبَحْرًا، وَسَيَّرَ مَعَهُمْ مَنْ يَحْمِيهِمْ حَتَّى بَلَغُوا أَنْطَاكِيَّةَ.
وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ إِصْطَبْلًا لِدَوَابِّهِ، وَأَحْرَقَ الْمِنْبَرَ، وَعَمَّرَ طَرَسُوسَ وَحِصْنَهَا، وَجَلَبَ الْمِيرَةَ إِلَيْهَا حَتَّى رَخُصَتِ الْأَسْعَارُ، وَتَرَاجَعَ إِلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَدَخَلُوا فِي طَاعَةِ الْمَلِكِ، وَتَنَصَّرَ بَعْضُهُمْ.
وَأَرَادَ الْمَقَامَ بِهَا لِيَقْرُبَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَأَرَادَ الدُّمُسْتُقُ وَهُوَ ابْنُ الشَّمَشْقِيقِ أَنْ يَقْصِدَ مَيَّافَارِقِينَ، وَبِهَا سَيْفُ الدَّوْلَةِ، فَأَمَرَهُ الْمَلِكُ بِاتِّبَاعِهِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَمَضَى إِلَيْهِ.
ذِكْرُ مُخَالِفَةِ أَهْلِ أَنْطَاكِيَّةَ عَلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَصَى أَهْلُ أَنْطَاكِيَّةَ عَلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ إِنْسَانًا مَنْ أَهْلِ طَرَسُوسَ كَانَ مُتَقَدِّمًا فِيهَا، يُسَمَّى رَشِيقًا النَّسِيمِيَّ، كَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ سَلَّمَهَا إِلَى الرُّومِ وَخَرَجَ إِلَى أَنْطَاكِيَّةَ، فَلَمَّا وَصَلَهَا، خَدَمَهُ إِنْسَانٌ يُعَرَفُ بِابْنِ الْأَهْوَازِيِّ كَانَ يَضْمَنُ الْأَرْحَاءَ بِأَنْطَاكِيَّةَ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْ حَاصِلِ الْأَرْحَاءِ، وَحَسُنَ لَهُ الْعِصْيَانُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ بِمَيَّافَارِقِينَ قَدْ عَجَزَ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى الشَّامِ، فَعَصَى وَاسْتَوْلَى عَلَى أَنْطَاكِيَّةَ، وَسَارَ إِلَى حَلَبَ، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِبِ عَنْ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ قَرْغُوَيْهِ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَصَعِدَ قَرْغُوَيْهِ إِلَى قَلْعَةِ حَلَبَ فَتَحَصَّنَ بِهَا، وَأَنْفَذَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ عَسْكَرًا مَعَ خَادِمِهِ بَشَّارَةَ نَجْدَةً لِقَرْغُوَيْهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ رَشِيقٌ، انْهَزَمَ عَنْ حَلَبَ، فَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ عَرَبِيٌّ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ رَأْسَهُ وَحَمَلَهُ إِلَى قَرْغُوَيْهِ وَبَشَّارَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute