الْمُلْكِ، وَنَقِيبُ الطَّالِبِيِّينَ، وَنَقِيبُ النُّقَبَاءِ عَلِيُّ بْنُ طَرَّادٍ، وَشَيْخُ الشُّيُوخِ صَدْرُ الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَعْيَانِ.
وَكَانَ الْبُرْسُقِيُّ قَدْ نَزَلَ بِقَرْيَةِ جِهَارِ طَاقَ، وَمَعَهُ عَسْكَرُهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ خُرُوجُ الْخَلِيفَةِ عَنْ بَغْدَاذَ عَادُوا إِلَى خِدْمَتِهِ، فَلَمَّا رَأَوُا الشِّمْسَةَ تَرَجَّلُوا بِأَجْمَعِهِمْ، وَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بِالْبُعْدِ مِنْهُ.
وَدَخَلَتْ هَذِهِ السَّنَةُ، فَنَزَلَ الْخَلِيفَةُ، مُسْتَهَلَّ الْمُحَرَّمِ، بِالْحَدِيثَةِ، بِنَهْرِ الْمَلِكِ، وَاسْتَدْعَى الْبُرْسُقِيَّ وَالْأُمَرَاءَ، وَاسْتَحْلَفَهُمْ عَلَى الْمُنَاصَحَةِ فِي الْحَرْبِ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى النَّيْلِ، وَنَزَلُوا بِالْمُبَارَكَةِ، وَعَبَّأَ الْبُرْسُقِيُّ أَصْحَابَهُ، وَوَقَفَ الْخَلِيفَةُ مِنْ وَرَاءِ الْجَمِيعِ فِي خَاصَّتِهِ، وَجَعَلَ دُبَيْسٌ أَصْحَابَهُ صَفًّا وَاحِدًا، مَيْمَنَةً، وَمَيْسَرَةً، وَقَلْبًا، وَجَعَلَ الرَّجَّالَةَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَيَّالَةِ بِالسِّلَاحِ، وَكَانَ قَدْ وَعَدَ أَصْحَابَهُ بِنَهْبِ بَغْدَاذَ، وَسَبْيِ النِّسَاءِ، فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ بَادَرَ أَصْحَابُ دُبَيْسٍ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمِ الْإِمَاءُ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ، وَالْمَخَانِيثُ بِالْمَلَاهِي، وَلَمْ يُرَ فِي عَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ غَيْرُ قَارِئٍ، وَمُسَبِّحٍ، وَدَاعٍ، فَقَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ.
وَكَانَ مَعَ أَعْلَامِ الْخَلِيفَةِ الْأَمِيرُ كَرَبَاوِيُّ بْنُ خُرَاسَانَ، وَفِي السَّاقَةِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُهَارِشَ، وَفِي مَيْمَنَةِ عَسْكَرِ الْبُرْسُقِيِّ الْأَمِيرُ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِلْيَاسَ مَعَ الْأُمَرَاءِ الْبَكْجِيَّةِ، فَحَمَلَ عَنْتَرُ بْنُ أَبِي الْعَسْكَرِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ عَسْكَرِ دُبَيْسٍ عَلَى مَيْمَنَةِ الْبُرْسُقِيِّ، فَتَرَاجَعَتْ عَلَى أَعْقَابِهَا، وَقُتِلَ ابْنُ أَخٍ لِلْأَمِيرِ أَبِي بَكْرٍ الْبَكْجِيِّ، وَعَادَ عَنْتَرٌ وَحَمَلَ حَمْلَةً ثَانِيَةً عَلَى هَذِهِ الْمَيْمَنَةِ، فَكَانَ حَالُهَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى أَعْقَابِهَا كَحَالِهَا الْأَوَّلِ، فَلَمَّا رَأَى عَسْكَرُ وَاسِطَ ذَلِكَ، وَمُقَدَّمُهُمُ الشَّهِيدُ عِمَادُ الدِّينِ زِنْكِيُّ بْنُ آقْسُنْقُرَ، حَمَلَ وَهُمْ مَعَهُ عَلَى عَنْتَرٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَتَوْهُمْ مِنْ ظُهُورِهِمْ فَبَقِيَ عَنْتَرٌ فِي الْوَسَطِ، وَعِمَادُ الدِّينِ وَعَسْكَرُ وَاسِطَ مِنْ وَرَائِهِ، وَالْأُمَرَاءُ الْبَكْجِيَّةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأُسِرَ عَنْتَرٌ، وَأُسِرَ مَعَهُ بُرَيْكُ بْنُ زَائِدَةَ وَجَمِيعُ مَنْ مَعَهُمَا وَلَمْ يُفْلِتْ أَحَدٌ.
وَكَانَ الْبُرْسُقِيُّ وَاقِفًا عَلَى نَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَانَ الْأَمِيرُ آقْ بُورِيُّ فِي الْكَمِينِ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ، فَلَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ خَرَجَ الْكَمِينُ عَلَى عَسْكَرِ دُبَيْسٍ، فَانْهَزَمُوا جَمِيعُهُمْ وَأَلْقَوْا نُفُوسَهُمْ فِي الْمَاءِ، فَغَرِقَ مِنْهُمْ، وَقُتِلَ كَثِيرٌ.
وَلَمَّا رَأَى الْخَلِيفَةُ اشْتِدَادَ الْحَرْبِ جَرَّدَ سَيْفَهُ وَكَبَّرَ وَتَقَدَّمَ إِلَى الْحَرْبِ، فَلَمَّا انْهَزَمَ عَسْكَرُ دُبَيْسٍ وَحُمِلَتِ الْأَسْرَى إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ صَبْرًا.
وَكَانَ عَسْكَرُ دُبَيْسٍ عَشَرَةَ آلَافِ فَارِسٍ، وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَعَسْكَرُ الْبُرْسُقِيِّ ثَمَانِيَةَ آلَافِ فَارِسٍ، وَخَمْسَةِ آلَافِ رَاجِلٍ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ أَصْحَابِ الْخَلِيفَةِ غَيْرُ عِشْرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute