فَارِسًا، وَحَصَلَ نِسَاءُ دُبَيْسٍ وَسَرَارِيِّهِ تَحْتَ الْأَسْرِ سِوَى بِنْتِ إِيلْغَازِي،، وَبِنْتِ عَمِيدِ الدَّوْلَةِ بْنِ جَهِيرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَرَكَهُمَا فِي الْمَشْهَدِ.
وَعَادَ الْخَلِيفَةُ إِلَى بَغْدَاذَ، فَدَخَلَهَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَلَمَّا عَادَ الْخَلِيفَةُ إِلَى بَغْدَاذَ ثَارَ الْعَامَّةُ بِهَا، وَنَهَبُوا مَشْهَدَ بَابِ التِّبْنِ، وَقَلَعُوا أَبْوَابَهُ، فَأَنْكَرَ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ، وَأَمَرَ نَظَرَ أَمِيرَ الْحَاجِّ بِالرُّكُوبِ إِلَى الْمَشْهَدِ، وَتَأْدِيبِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَأَخْذِ مَا نُهِبَ، فَفَعَلَ وَأَعَادَ الْبَعْضَ وَخَفِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ.
وَأَمَّا دُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا انْهَزَمَ بِفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ، وَأَدْرَكَتْهُ الْخَيْلُ فَفَاتَهَا وَعَبَرَ الْفُرَاتَ، فَرَأَتْهُ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ وَقَدْ عَبَرَ، فَقَالَتْ لَهُ: دُبَيْرٌ جِئْتَ؟ فَقَالَ: دُبَيْرٌ مَنْ لَمْ يَجِئْ. وَاخْتَفَى خَبَرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُرْجِفَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَمْرُهُ أَنَّهُ قَصَدَ غُزَيَّةَ مِنْ عَرَبِ نَجْدٍ، فَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يُحَالِفُوهُ، فَامْتَنَعُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: إِنَّا نُسْخِطُ الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانَ، فَرَحَلَ إِلَى الْمُنْتَفَقِ، وَاتَّفَقَ مَعَهُمْ عَلَى قَصْدِ الْبَصْرَةِ وَأَخْذِهَا، فَسَارُوا إِلَيْهَا وَدَخَلُوهَا، وَنَهَبُوا أَهْلَهَا، وَقُتِلَ الْأَمِيرُ سَخْتُ كُمَانُ مُقَدَّمُ عَسْكَرِهَا، وَأُجْلِيَ أَهْلُهَا.
فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْبُرْسُقِيِّ يُعَاتِبُهُ عَلَى إِهْمَالِهِ أَمْرِ دُبَيْسٍ، حَتَّى تَمَّ لَهُ مِنْ أَمْرِ الْبَصْرَةِ مَا أَخَرَبَهَا، فَتَجَهَّزَ الْبُرْسُقِيُّ لِلِانْحِدَارِ إِلَيْهِ، فَسَمِعَ دُبَيْسٌ ذَلِكَ، فَفَارَقَ الْبَصْرَةَ، وَسَارَ عَلَى الْبَرِّ إِلَى قَلْعَةِ جَعْبَرَ، وَالْتَحَقَ بِالْفِرِنْجِ، وَحَضَرَ مَعَهُمْ حِصَارَ حَلَبَ، وَأَطْمَعَهُمْ فِي أَخْذِهَا، فَلَمْ يَظْفَرُوا بِهَا، فَعَادُوا عَنْهَا، ثُمَّ فَارَقَهُمْ وَالْتَحَقَ بِالْمَلِكِ طُغْرَلَ ابْنِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، فَأَقَامَ مَعَهُ، وَحَسَّنَ لَهُ قَصْدَ الْعِرَاقِ، وَسَنَذْكُرُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ حِصْنَ الْأَثَارِبِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرٍ، مَلَكَ الْفِرِنْجُ حِصْنَ الْأَثَارِبِ، مِنْ أَعْمَالِ حَلَبَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَكْثَرُوا قَصْدَ حَلَبَ وَأَعْمَالِهَا بِالْإِغَارَةِ، وَالتَّخْرِيبِ، وَالتَّحْرِيقِ، وَكَانَ بِحَلْبَ حِينَئِذٍ بَدْرُ الدَّوْلَةِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أُرْتُقَ، وَهُوَ صَاحِبُهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِالْفِرِنْجِ قُوَّةٌ، وَخَافَهُمْ، فَهَادَنَهُمْ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْأَثَارِبَ وَيَكُفُّوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute