للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ بِلَادِهِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، وَتَسَلَّمُوا الْحِصْنَ، وَتَمَّتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُمْ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُ الرَّعِيَّةِ بِأَعْمَالِ حَلَبَ، وَجُلِبَتْ إِلَيْهِمُ الْأَقْوَاتُ وَغَيْرُهَا، وَلَمْ تَزَلِ الْأَثَارِبُ بِأَيْدِي الْفِرِنْجِ إِلَى أَنْ مَلَكَهَا أَتَابِكُ زِنْكِيُّ بْنُ آقْسُنْقُرَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ مُلْكِ بَلْكَ حَرَّانَ وَحَلَبَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، مَلَكَ بَلْكُ بْنُ بَهْرَامَ مَدِينَةَ حَرَّانَ، وَكَانَ قَدْ حَصَرَهَا، فَلَمَّا مَلَكَهَا سَارَ مِنْهَا إِلَى مَدِينَةِ حَلَبَ.

وَسَبَبُ مَسِيرِهِ إِلَيْهَا: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صَاحِبَهَا بَدْرَ الدَّوْلَةِ قَدْ سَلَّمَ قَلْعَةَ الْأَثَارِبِ إِلَى الْفِرِنْجِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَعَلِمَ عَجْزَهُ عَنْ حِفْظِ بِلَادِهِ، فَقَوِيَ طَمَعُهُ فِي مُلْكِهَا، فَسَارَ إِلَيْهَا، وَنَازَلَهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَضَايَقَهَا، وَمَنَعَ الْمِيرَةَ عَنْهَا، وَأَحْرَقَ زُرُوعَهَا، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ ابْنُ عَمِّهِ الْبَلَدَ وَالْقَلْعَةَ بِالْأَمَانِ، غِرَّةَ جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ، وَتَزَوَّجَ ابْنَةَ الْمَلِكِ رِضْوَانَ، وَبَقِيَ مَالِكًا لَهَا إِلَى أَنْ قُتِلَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ الْفِرِنْجِ وَالْمُسْلِمِينَ بِإِفْرِيقِيَّةَ

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَمِيرَ عَلِيَّ بْنَ يَحْيَى، صَاحِبَ إِفْرِيقِيَةَ، لَمَّا اسْتَوْحَشَ مِنْ رُجَّارَ صَاحِبِ صِقِلِّيَةَ، جَدَّدَ الْأُسْطُولَ الَّذِي لَهُ، وَكَثَّرَ عَدَدَهُ، وَكَاتَبَ أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ عَلِيَّ بْنَ يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ بِمُرَّاكِشَ بِالِاجْتِمَاعِ مَعَهُ عَلَى قَصْدِ جَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ، فَلَمَّا عَلِمَ رُجَّارُ ذَلِكَ كَفَّ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ.

فَاتَّفَقَ أَنَّ عَلِيًّا مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَوَلِيَ ابْنُهُ الْحَسَنُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ سَيَّرَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ أُسْطُولًا، فَفَتَحُوا نُقُوطَرَةَ بِسَاحِلِ بِلَادِ قِلَّوْرِيَةَ، فَلَمْ يَشُكَّ رُجَّارُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ سَبَبَ ذَلِكَ، فَجَدَّ فِي تَعْمِيرِ الشَّوَانِي وَالْمَرَاكِبِ، وَحَشَدَ فَأَكْثَرَ، وَمَنَعَ مِنَ السَّفَرِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْغَرْبِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ، قِيلَ: كَانَ ثَلَاثَمِائَةِ قِطْعَةٍ، فَلَمَّا انْقَطَعَتِ الطَّرِيقُ عَنْ إِفْرِيقِيَّةَ تَوَقَّعَ الْأَمِيرُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ خُرُوجَ الْعَدُوِّ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ، فَأَمَرَ بِاتِّخَاذِ الْعُدَدِ،، وَتَجْدِيدِ الْأَسْوَارِ، وَجَمَعَ الْمُقَاتِلَةَ، فَأَتَاهُ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ وَمِنَ الْعَرَبِ جَمْعٌ كَثِيرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>