فَلَمَّا كَانَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ سَارَ الْأُسْطُولُ الْفِرِنْجِيُّ فِي ثَلَاثِمِائَةِ قِطْعَةٍ، فِيهَا أَلْفُ فَرَسٍ وَفَرَسٌ وَاحِدٌ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا سَارُوا مِنْ مَرْسَى عَلِيٍّ فَرَّقَتْهُمُ الرِّيحُ، وَغَرِقَ مِنْهُمْ مَرَاكِبُ كَثِيرَةٌ، وَنَازَلَ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ جَزِيرَةَ قَوْصَرَةَ فَفَتَحُوهَا، وَقَتَلُوا مَنْ بِهَا، وَسَبَوْا وَغَنِمُوا، وَسَارُوا عَنْهَا، فَوَصَلُوا إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَنَازَلُوا الْحِصْنَ الْمَعْرُوفَ بِالدِّيمَاسِ أَوَاخِرَ جُمَادَى الْأُولَى، فَقَاتَلَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا هُنَاكَ وَالدِّيمَاسُ حِصْنٌ مَنِيعٌ، فِي وَسَطِهِ حِصْنٌ آخَرُ، وَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَى الْبَحْرِ.
وَسَيَّرَ الْحَسَنُ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْجُمُوعِ إِلَى الْفِرِنْجِ، وَأَقَامَ هُوَ بِالْمَهْدِيَّةِ فِي جَمْعٍ آخَرَ يَحْفَظُهَا، وَأَخْذَ الْفِرِنْجُ حِصْنَ الدِّيمَاسِ، وَجُنُودُ الْمُسْلِمِينَ مُحِيطَةٌ بِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ لَيَالٍ اشْتَدَّ الْقِتَالُ عَلَى الْحِصْنِ الدَّاخِلِ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ صَاحَ الْمُسْلِمُونَ صَيْحَةً عَظِيمَةً ارْتَجَّتْ لَهَا الْأَرْضُ، وَكَبَّرُوا، فَوَقَعَ الرُّعْبُ فِي قُلُوبِ الْفِرِنْجِ، فَلَمْ يَشُكُّوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَهْجُمُونَ عَلَيْهِمْ، فَبَادَرُوا إِلَى شَوَانِيهِمْ، وَقَتَلُوا بِأَيْدِيهِمْ كَثِيرًا مِنْ خُيُولِهِمْ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا أَرْبَعَمِائَةِ فَرَسٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ مَعَهُمْ غَيْرُ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعَ مَا تَخَلَّفَ عَنِ الْفِرِنْجِ، وَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الطُّلُوعِ إِلَى الْمَرَاكِبِ.
فَلَمَّا صَعِدَ الْفِرِنْجُ إِلَى مَرَاكِبِهِمْ أَقَامُوا بِهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى النُّزُولِ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا أَيِسُوا مِنْ خَلَاصِ أَصْحَابِهِمُ الَّذِينَ فِي الدِّيمَاسِ سَارُوا وَالْمُسْلِمُونَ يُكَبِّرُونَ عَلَيْهِمْ وَيَصِيحُونَ بِهِمْ، وَأَقَامَتْ عَسَاكِرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِصْنِ الدِّيمَاسِ فِي أُمَمٍ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، فَحَصَرُوهُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ فَتْحُهُ لِحَصَانَتِهِ وَقُوَّتِهِ، فَلَمَّا عُدِمَ الْمَاءُ عَلَى مَنْ بِهِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَضَجِرُوا مِنْ مُوَاصَلَةِ الْقِتَالِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَتَحُوا بَابَ الْحِصْنِ وَخَرَجُوا، فَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ مُنْتَصَفَ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ إِقَامَتِهِمْ فِي الْحِصْنِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَلَمَّا رَجَعَ الْفِرِنْجُ مَقْهُورِينَ أَرْسَلَ الْأَمِيرُ الْحَسَنُ الْبُشْرَى إِلَى سَائِرِ الْبِلَادِ، وَقَالَ الشُّعَرَاءُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَأَكْثَرُوا، تَرَكْنَا ذَلِكَ خَوْفَ التَّطْوِيلِ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الْفِرِنْجِ عَلَى خَرْتَبِرْتَ وَأَخْذِهَا مِنْهُمْ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، اسْتَوْلَى الْفِرِنْجُ عَلَى خَرْتَبِرْتَ مِنْ بِلَادِ دِيَارِ بَكْرٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ بَلْكَ بْنَ بَهْرَامَ بْنِ أُرْتُقَ كَانَ صَاحِبَ خَرْتَبِرْتَ فَحَصَرَ قَلْعَةَ كَرْكَرَ، وَهِيَ تُقَارِبُ خَرْتَبِرْتَ، فَسَمِعَ الْفِرِنْجُ بِالشَّامِ الْخَبَرَ، فَسَارَ بَغْدُوِينُ مَلِكُ الْفِرِنْجِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute