للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُمُوعِهِ إِلَيْهِ لِيُرَحِّلَهُ عَنْهَا، خَوْفًا أَنْ يَقْوَى بِمُلْكِهَا، فَلَمَّا سَمِعَ بَلْكُ بِقُرْبِهِ مِنْهُ رَحَلَ إِلَيْهِ، وَالْتَقَيَا فِي صَفَرٍ، وَاقْتَتَلَا، فَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ، وَأُسِرَ مَلِكُهُمْ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ فُرْسَانِهِمْ، وَسَجَنَهُمْ بِقَلْعَةِ خَرْتَبِرْتَ، وَكَانَ بِالْقَلْعَةِ أَيْضًا جُوسُلِينُ، صَاحِبُ الرُّهَا، وَغَيْرُهُ مِنْ مُقَدَّمِي الْفِرِنْجِ كَانَ قَدْ أَسَرَهُمْ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَارَ بَلْكُ عَنْ خَرْتَبِرْتَ إِلَى حَرَّانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَمَلَكَهَا، فَأَعْمَلَ الْفِرِنْجُ الْحِيلَةَ بِاسْتِمَالَةِ بَعْضِ الْجُنْدِ، فَظَهَرُوا وَمَلَكُوا الْقَلْعَةَ.

فَأَمَّا الْمَلِكُ بَغْدُوِينُ فَإِنَّهُ اتَّخَذَ اللَّيْلَ جَمَلًا وَمَضَى إِلَى بِلَادِهِ، وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِبَلْكَ صَاحِبِهَا، فَعَادَ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَيْهَا وَحَصَرَهَا، وَضَيَّقَ عَلَى مَنْ بِالْقَلْعَةِ، وَاسْتَعَادَهَا مِنَ الْفِرِنْجِ، وَجَعَلَ فِيهَا مِنَ الْجُنْدِ مَنْ يَحْفَظُهَا، وَعَادَ عَنْهَا.

ذِكْرُ قَتْلِ وَزِيرِ السُّلْطَانِ وَعَوْدِ بْنِ صَدَقَةَ إِلَى وِزَارَةِ الْخَلِيفَةِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ عَلَى وَزِيرِهِ شَمْسِ الْمُلْكِ عُثْمَانَ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ وَقَتَلَهُ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمَّا أَشَارَ عَلَى السُّلْطَانِ بِالْعَوْدِ عَنْ حَرْبِ الْكُرْجِ، وَخَالَفَهُ، وَكَانَتِ الْخِيَرَةُ فِي مُخَالَفَتِهِ، تَغَيَّرَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ أَعْدَاؤُهُ بِالسُّوءِ، وَنَبَّهُوا عَلَى تَهَوُّرِهِ، وَقِلَّةِ تَحْصِيلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِمَصَالِحِ الدَّوْلَةِ، فَفَسَدَ رَأْيُ السُّلْطَانِ فِيهِ.

ثُمَّ إِنَّ الشِّهَابَ أَبَا الْمَحَاسِنِ، وَزِيرَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي نِظَامِ الْمُلْكِ، وَوَزَرَ بَعْدَهُ أَبُو طَاهِرٍ الْقُمِّيُّ، وَهُوَ عَدُوٌّ لِلْبَيْتِ النِّظَامِيِّ، فَسَعَى مَعَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ يَأْمُرُهُ بِالْقَبْضِ عَلَى وَزِيرِهِ شَمْسِ الْمُلْكِ، فَصَادَفَ وُصُولَ الرَّسُولِ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ عَلَيْهِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهُ إِلَى طَغَايَرْكَ، فَبَعَثَهُ إِلَى خَلْخَالَ، فَحَبَسَهُ فِيهَا.

ثُمَّ إِنَّ أَبَا نَصْرٍ الْمُسْتَوْفِيَ، الْمُلَقَّبَ بِالْعَزِيزِ، قَالَ لِلسُّلْطَانِ مَحْمُودٍ: لَا نَأْمَنُ أَنْ يُرْسِلَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ يَطْلُبُ الْوَزِيرَ، وَمَتَى اتَّصَلَ بِهِ لَا نَأْمَنُ شَرًّا يَحْدُثُ مِنْهُ.

وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ السَّيَّافُ لِيَقْتُلَهُ قَالَ: أَمْهِلْنِي حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>