فَلَمَّا رَأَى الْفِرِنْجُ تَتَابَعُ الْعَسَاكِرُ إِلَى مِصْرَ، وَدُخُولِ نُورِ الدِّينِ إِلَى بِلَادِهِمْ وَنَهْبِهَا وَتَخْرِيبِهَا، رَجَعُوا خَائِبِينَ لَمْ يَظْفَرُوا بِشَيْءٍ، وَوَجَدُوا بِلَادَهُمْ خَرَابًا، وَأَهْلَهَا بَيْنَ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ، فَكَانُوا مَوْضِعَ الْمَثَلِ: خَرَجَتِ النَّعَامَةُ تَطْلُبُ قَرْنَيْنِ رَجَعَتْ بِلَا أُذُنَيْنِ.
وَكَانَتْ مُدَّةُ مَقَامِهِمْ عَلَى دِمْيَاطَ خَمْسِينَ يَوْمًا أَخْرَجَ فِيهَا صَلَاحُ الدِّينِ أَمْوَالًا لَا تُحْصَى، حُكِيَ لِي أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَكْرَمَ مِنَ الْعَاضِدِ، أَرْسَلَ إِلَيَّ مُدَّةً لِمَقَامِ الْفِرِنْجِ عَلَى دِمْيَاطَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ مِصْرِيَّةٍ سِوَى الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا.
ذِكْرُ حَصْرِ نُورِ الدِّينِ الْكَرَكَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، سَارَ نُورُ الدِّينِ إِلَى بَلَدَ الْفِرِنْجِ، فَحَصَرَ الْكَرَكَ، وَهُوَ مِنْ أَمْنَعِ الْمَعَاقِلِ عَلَى طَرَفِ الْبَرِّ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ أَرْسَلَ إِلَى نُورِ الدِّينِ يَطْلُبُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ وَالِدَهُ نَجْمَ الدِّينِ أَيُّوبَ، فَجَهَّزَهُ نُورُ الدِّينِ، وَسَيَّرَهُ، وَسَيَّرَ مَعَهُ عَسْكَرًا، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ مِنَ التُّجَّارِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ مَعَ صَلَاحِ الدِّينِ أُنْسٌ وَصُحْبَةٌ، فَخَافَ نُورُ الدِّينِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَسَارَ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَى الْكَرَكِ، فَحَصَرَهُ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمَجَانِيقَ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ الْفِرِنْجَ قَدْ جَمَعُوا لَهُ، وَسَارُوا إِلَيْهِ، وَقَدْ جَعَلُوا فِي مُقَدِّمَتِهِمْ إِلَيْهِ ابْنَ هَنْفَرِيِّ وَقَرِيبَ بْنَ الرَّقِيقِ، وَهُمَا فَارِسَا الْفِرِنْجِ فِي وَقْتِهِمَا، فَرَحَلَ نُورُ الدِّينِ نَحْوَ هَذَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ لِيَلْقَاهُمَا وَمَنْ مَعَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِقَ بِهَا بَاقِي الْفِرِنْجُ، فَلَمَّا قَارَبَهُمَا رَجَعَا الْقَهْقَرَى، وَاجْتَمَعَا بِبَاقِي الْفِرِنْجِ.
وَسَلَكَ نُورُ الدِّينِ وَسَطَ بِلَادِهِمْ يَنْهَبُ وَيَحْرِقُ مَا عَلَى طَرِيقِهِ مِنَ الْقُرَى إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَنَزَلَ عَلَى عَشْتَرَا، وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ حَرَكَةَ الْفِرِنْجِ لِيَلْقَاهُمْ، فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute