الْأَزْدِيَّ عَلَى مَيْمَنَتِهِ، وَعَلِيَّ بْنَ مَالِكٍ الْجُشَمِيَّ عَلَى مَيْسَرَتِهِ، وَهُوَ أَخُو الْأَحْوَصِ، وَجَعَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَخُو إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ لِأُمِّهِ، عَلَى الْخَيْلِ، وَكَانَتْ خَيْلُهُ قَلِيلَةً، وَجَعَلَ الطُّفَيْلَ بْنَ لَقِيطٍ عَلَى الرَّجَّالَةِ، وَكَانَتْ رَايَتُهُ مَعَ مُزَاحِمِ بْنِ مَالِكٍ. فَلَمَّا انْفَجَرَ الْفَجْرُ صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَفَّ أَصْحَابَهُ، وَأَلْحَقَ كُلَّ أَمِيرٍ بِمَكَانِهِ، وَنَزَلَ إِبْرَاهِيمُ يَمْشِي وَيُحَرِّضُ النَّاسَ وَيُمَنِّيهِمُ الظَّفَرَ، وَسَارَ بِهِمْ رُوَيْدًا، فَأَشْرَفَ عَلَى تَلٍّ عَظِيمٍ مُشْرِفٍ عَلَى الْقَوْمِ، وَإِذَا أُولَئِكَ الْقَوْمُ لَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَأَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زُهَيْرٍ السَّلُولِيَّ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، فَعَادَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: قَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ عَلَى دَهَشٍ وَفَشَلٍ، لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ كَلَامٌ إِلَّا: يَا شِيعَةَ أَبِي تُرَابٍ! يَا شِيعَةَ الْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ! قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: الَّذِي بَيْنَنَا أَجَلُّ مِنَ الشَّتْمِ.
وَرَكِبَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَ عَلَى الرَّايَاتِ يُحِثُّهُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ فِعْلَ ابْنِ زِيَادٍ بِالْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، مِنَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ وَمَنْعِ الْمَاءِ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ.
وَتَقَدَّمَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ، وَقَدْ جَعَلَ ابْنُ زِيَادٍ عَلَى مَيْمَنَتِهِ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ السَّكُونِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عُمَيْرَ بْنَ الْحُبَابِ السُّلَمِيَّ، وَعَلَى الْخَيْلِ شُرَحْبِيلَ بْنَ ذِي الْكُلَاعِ الْحِمْيَرِيَّ. فَلَمَّا تَدَانَى الصَّفَّانِ حَمَلَ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ فِي مَيْمَنَةِ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى مَيْسَرَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَثَبَتَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ مَالِكٍ الْجُشَمِيُّ فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ رَايَتَهُ قُرَّةُ بْنُ عَلِيٍّ، فَقُتِلَ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْبَأْسِ وَانْهَزَمَتِ الْمَيْسَرَةُ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَرْقَاءَ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيُّ ابْنُ أَخِي حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَقْبَلَ الْمُنْهَزِمِينَ، فَقَالَ: إِلَيَّ يَا شُرْطَةَ اللَّهِ. فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ. فَقَالَ: هَذَا أَمِيرُكُمْ يُقَاتِلُ ابْنَ زِيَادٍ، ارْجِعُوا بِنَا إِلَيْهِ فَرَجَعُوا، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ كَاشِفٌ رَأْسَهُ يُنَادِي: إِلَيَّ شُرْطَةَ اللَّهِ، أَنَا ابْنُ الْأَشْتَرِ، إِنَّ خَيْرَ فُرَّارِكُمْ كُرَّارُكُمْ، لَيْسَ مُسِيئًا مَنْ أَعْتَبَ. فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَحَمَلَتْ مَيْمَنَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى مَيْسَرَةِ ابْنِ زِيَادٍ وَهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يَنْهَزِمَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُبَابِ، كَمَا زَعَمَ، فَقَاتَلَهُمْ عُمَيْرٌ قِتَالًا شَدِيدًا وَأَنِفَ مِنَ الْفِرَارِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: اقْصِدُوا هَذَا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ، فَوَاللَّهِ لَوْ هَزَمْنَاهُ لَانْجَفَلَ مَنْ تَرَوْنَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً انْجِفَالَ طَيْرٍ ذَعَرْتَهَا. فَمَشَى أَصْحَابُهُ إِلَيْهِمْ فَتَطَاعَنُوا، ثُمَّ صَارُوا إِلَى السُّيُوفِ وَالْعُمُدِ، فَاضْطَرَبُوا بِهَا مَلِيًّا، وَكَانَ صَوْتُ الضَّرْبِ بِالْحَدِيدِ كَصَوْتِ الْقَصَّارِينَ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ لِصَاحِبِ رَايَتِهِ: انْغَمِسْ بِرَايَتِكَ فِيهِمْ. فَيَقُولُ: لَيْسَ لِي مُتَقَدَّمٌ. فَيَقُولُ: بَلَى. فَإِذَا تَقَدَّمَ شَدَّ إِبْرَاهِيمُ بِسَيْفِهِ، فَلَا يَضْرِبُ [بِهِ] رَجُلًا إِلَّا صَرَعَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute