وَكَرَدَ إِبْرَاهِيمُ الرَّجَّالَةَ [مِنْ] بَيْنِ يَدَيْهِ كَأَنَّهُمُ الْحِمْلَانُ، وَحَمَلَ أَصْحَابُهُ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ ابْنِ زِيَادٍ، وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ قَتْلَى كَثِيرَةٌ.
وَقِيلَ: إِنَّ عُمَيْرَ بْنَ الْحُبَابِ أَوَّلُ مَنِ انْهَزَمَ، وَإِنَّمَا كَانَ قِتَالُهُ أَوَّلًا تَعْذِيرًا.
فَلَمَّا انْهَزَمُوا قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنِّي قَدْ قَتَلْتُ رَجُلًا تَحْتَ رَايَةٍ مُنْفَرِدَةٍ عَلَى شَاطِئِ نَهْرِ الْخَازِرِ، فَالْتَمِسُوهُ، فَإِنِّي شَمَمْتُ مِنْهُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ، شَرَّقَتْ يَدَاهُ، وَغَرَّبَتْ رِجْلَاهُ. فَالْتَمَسُوهُ فَإِذَا هُوَ ابْنُ زِيَادٍ قَتِيلًا بِضَرْبَةِ إِبْرَاهِيمَ فَقَدْ قَدَّتْهُ بِنِصْفَيْنِ وَسَقَطَ، كَمَا ذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ، فَأَخَذَ رَأْسَهُ وَأُحْرِقَتْ جُثَّتُهُ.
وَحَمَلَ شَرِيكُ بْنُ جَدِيرٍ التَّغْلِبِيُّ عَلَى الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ السَّكُونِيِّ وَهُوَ يَظُنُّهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، فَاعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَنَادَى التَّغْلِبِيُّ: اقْتُلُونِي وَابْنَ الزَّانِيَةِ! فَقَتَلُوا الْحُصَيْنَ.
وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي قَتَلَ ابْنَ زِيَادٍ شَرِيكُ بْنُ جَدِيرٍ، وَكَانَ هَذَا شَرِيكٌ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ، وَأُصِيبَتْ عَيْنُهُ، فَلَمَّا انْقَضَتْ أَيَّامُ عَلِيٍّ لَحِقَ شَرِيكٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَقَامَ بِهِ، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ عَاهَدَ اللَّهَ - تَعَالَى - إِنْ ظَهَرَ مَنْ يَطْلُبُ بِدَمِهِ لَيَقْتُلَنَّ ابْنَ زِيَادٍ أَوْ لَيَمُوتَنَّ دُونَهُ. فَلَمَّا ظَهَرَ الْمُخْتَارُ لِلطَّلَبِ بِثَأْرِ الْحُسَيْنِ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، وَسَارَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا حَمَلَ عَلَى خَيْلِ الشَّامِ يَهْتِكُهَا صَفًّا صَفًّا مَعَ أَصْحَابِهِ مِنْ رَبِيعَةَ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى ابْنِ زِيَادٍ، وَثَارَ الرَّهْجُ، فَلَا يُسْمَعُ إِلَّا وَقْعُ الْحَدِيدِ، فَانْفَرَجَتْ عَنِ النَّاسِ وَهُمَا قَتِيلَانِ، شَرِيكٌ وَابْنُ زِيَادٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَشَرِيكٌ هُوَ الْقَائِلُ: كُلُّ عَيْشٍ قَدْ أَرَاهُ بَاطِلًا غَيْرَ رَكْزِ الرُّمْحِ فِي ظِلِّ الْفَرَسْ
قَالَ: وَقُتِلَ شُرَحْبِيلُ بْنُ ذِي الْكُلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ، وَادَّعَى قَتْلَهُ سُفْيَانُ بْنُ يَزِيدَ الْأَزْدِيُّ، وَوَرْقَاءُ بْنُ عَازِبٍ الْأَسَدِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زُهَيْرٍ السُّلَمِيُّ، وَكَانَ عُيَيْنَةُ بْنُ أَسْمَاءَ مَعَ ابْنِ زِيَادٍ، فَلَمَّا انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ حَمَلَ أُخْتَهُ هِنْدَ بِنْتَ أَسْمَاءَ، وَكَانَتْ زَوْجَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَذَهَبَ بِهَا وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute