وَغَسَّانَ، فَزَوَّجَهُ الْمُنْذِرُ ابْنَتَهُ هِنْدًا، وَكَانَتْ لَا تُرِيدُ الرِّجَالَ، فَصَنَعَتْ بِجِلْدِهَا شَبِيهًا بِالْبَرَصِ وَقَالَتْ لِأَبِيهَا: أَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَتُهْدِينِي لِمَلِكِ غَسَّانَ؟ فَنَدِمَ عَلَى تَزْوِيجِهَا فَأَمْسَكَهَا. ثُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ أَرْسَلَ يَطْلُبُهَا فَمَنَعَهَا أَبُوهَا وَاعْتَلَّ عَلَيْهِ.
ثُمَّ إِنَّ الْمُنْذِرَ خَرَجَ غَازِيًا، فَبَعَثَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ جَيْشًا إِلَى الْحِيرَةِ فَانْتَهَبَهَا وَأَحْرَقَهَا. فَانْصَرَفَ الْمُنْذِرُ مِنْ غَزَاتِهِ لَمَّا بَلَغَهُ مِنَ الْخَبَرِ، فَسَارَ يُرِيدُ غَسَّانَ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْحَارِثَ فَجَمَعَ أَصْحَابَهُ وَقَوْمَهُ فَسَارَ بِهِمْ، فَتَوَافَقُوا بِعَيْنِ أُبَاغٍ فَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ فَاقْتَتَلُوا وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَحَمَلَتْ مَيْمَنَةُ الْمُنْذِرِ عَلَى مَيْسَرَةِ الْحَارِثِ، وَفِيهَا ابْنُهُ فَقَتَلُوهُ، وَانْهَزَمَتِ الْمَيْسَرَةُ، وَحَمَلَتْ مَيْمَنَةُ الْحَارِثِ عَلَى مَيْسَرَةِ الْمُنْذِرِ فَانْهَزَمَ مَنْ بِهَا وَقُتِلَ مُقَدِّمُهَا فَرْوَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ، وَحَمَلَتْ غَسَّانُ مِنَ الْقَلْبِ عَلَى الْمُنْذِرِ فَقَتَلُوهُ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ وَأُسِرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ مِائَةُ أَسِيرٍ، مِنْهُمْ شَأْسُ بْنُ عَبَدَةَ، فَوَفَدَ أَخُوهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ الشَّاعِرُ عَلَى الْحَارِثِ يَطْلُبُ إِلَيْهِ أَنْ يُطْلِقَ أَخَاهُ، وَمَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا:
طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الْحِسَانِ طَرُوبُ ... بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حَانَ مَشِيبُ
تُكَلِّفُنِي لَيْلَى وَقَدْ شَطَّ أَهْلُهَا ... وَعَادَتْ عَوَادٍ بَيْنَنَا وَخُطُوبُ
يَقُولُ فِيهَا:
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي
بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ ... إِذَا شَابَ رَأْسُ الْمَرْءِ أَوْ قَلَّ مَالُهُ
فَلَيْسَ لَهُ فِي وُدِّهِنَّ نَصِيبُ ... يُرِدْنَ ثَرَاءَ الْمَالِ حَيْثُ وَجَدْنَهُ
وَشَرْخُ الشَّبَابِ عِنْدَهُنَّ عَجِيبُ ... وَقَاتَلَ مِنْ غَسَّانَ أَهْلُ حِفَاظِهَا
وَهِنْبٌ وَقَاسٌ جَالَدَتْ وَشَبِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute