فَقَالَ: وَلِمَ؟ فَقُلْتُ: بِسَبَبِ أَخْذِكُمُ الْحَاجَّ. فَقَالَ لِي: أَنَا لَمْ أُدْرِكْ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ صَنَعَ بِنَا؟ وَاللَّهِ مَا أَفْلَحْنَا، وَلَا نَجَحْنَا، قَلَّ الْعَدَدُ وَطَمِعَ الْعَدُوُّ فِينَا.
ذِكْرُ فَتْحِ حِصْنِ فَامِيَّا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَتَحَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ ابْنُ الشَّهِيدِ زَنْكِي حِصْنَ فَامِيَّا مِنَ الْفِرِنْجِ، وَهُوَ مُجَاوِرُ شَيْزَرَ وَحَمَاةَ، عَلَى تَلٍّ عَالٍ مِنْ أَحْصَنِ الْقِلَاعِ وَأَمْنَعِهَا، فَسَارَ نُورُ الدِّينِ إِلَيْهِ وَحَصَرَهُ وَبِهِ الْفِرِنْجُ، وَقَاتَلَهُمْ وَضَيَّقَ عَلَى مَنْ بِهِ مِنْهُمْ، فَاجْتَمَعَ مَنْ بِالشَّامِ مِنَ الْفِرِنْجِ وَسَارُوا نَحْوَهُ لِيُرَحِّلُوهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَّا وَقَدْ مَلَكَهُ، وَمَلَأَهُ ذَخَائِرَ وَسِلَاحًا وَرِجَالًا وَجَمِيعَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَسِيرُ الْفِرِنْجِ إِلَيْهِ رَحَلَ عَنْهُ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْحِصْنِ وَسَارَ إِلَيْهِمْ يَطْلُبُهُمْ، فَحِينَ رَأَوْا أَنَّ الْحِصْنَ قَدْ مُلِكَ وَقُوَّةَ عَزْمِ نُورِ الدِّينِ عَلَى لِقَائِهِمْ عَدَلُوا عَنْ طَرِيقِهِ، وَدَخَلُوا بِلَادَهُمْ وَرَاسَلُوهُ فِي الْمُهَادَنَةِ، وَعَادَ سَالِمًا مُظَفَّرًا.
وَمَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ وَذَكَرُوا هَذَا الْفَتْحَ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مُنِيرٍ مِنْ قَصِيدَةٍ أَوَّلُهَا:
أَسْنَى الْمَمَالِكِ مَا أَطَلْتَ مَنَارَهَا ... وَجَعَلْتَ مُرْهَفَةَ الدِّسَارِ دِسَارَهَا
وَأَحَقُّ مَنْ مَلَكَ الْبِلَادَ وَأَهْلَهَا ... رَؤُفٌ تَكَنَّفَ عَدْلُهُ أَقْطَارَهَا
وَمِنْهَا فِي وَصْفِ الْحِصْنِ:
أَدْرَكْتَ ثَأْرَكَ فِي الْبُغَاةِ وَكُنْتَ يَا ... مُخْتَارَ أَمَةِ أَحْمَدٍ مُخْتَارَهَا
طَابَتْ نُجُومُكَ فَوْقَهَا، وَلَرُبَّمَا ... بَاتَتْ تَنَافَثُهَا النُّجُومُ سِرَارَهَا
عَارِيَّةُ الزَّمَنِ الْمُعِيرِ شِمَالُهَا ... مِنْكَ الْمُعِيرَةُ وَاسْتَرَدَّ مُعَارَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute