للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَدُّ عَلَى الْعَرَبِ؟ قَالَ: بَهْمَنْ جَاذَوَيْهِ الْمَعْرُوفُ بِذِي الْحَاجِبِ - وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذُو الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْصِبُ حَاجِبَيْهِ بِعِصَابَةٍ لِيَرْفَعَهُمَا كِبْرًا. فَوَجَّهَهُ وَمَعَهُ فِيَلَةٌ، وَرَدَّ الْجَالِينُوسَ مَعَهُ وَقَالَ لِبَهْمَنَ: إِنِ انْهَزَمَ الْجَالِينُوسُ ثَانِيَةً فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَأَقْبَلَ بَهْمَنْ جَاذَوَيْهِ وَمَعَهُ دِرَفْشَ كَابِيَانَ رَايَةُ كِسْرَى، وَكَانَتْ مِنْ جُلُودِ النَّمِرِ، عَرْضَ ثَمَانِيَةِ أَذْرُعٍ، وَطُولَ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَنَزَلَ بِقُسِّ النَّاطِفِ. وَأَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدٍ فَنَزَلَ بِالْمَرْوَحَةِ، فَرَأَتْ دَوْمَةُ - امْرَأَتُهُ أُمُّ الْمُخْتَارِ ابْنِهِ - أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَ أَبُو عُبَيْدٍ وَمَعَهُ نَفَرٌ، فَأَخْبَرَتْ بِهَا أَبَا عُبَيْدٍ فَقَالَ: لِهَذِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ شَهَادَةٌ! وَعَهِدَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: إِنْ قُتِلْتُ فَعَلَى النَّاسِ فُلَانٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَيْهِمْ فُلَانٌ، حَتَّى أَمَّرَ الَّذِينَ شَرِبُوا مِنَ الْإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَى النَّاسِ الْمُثَنَّى.

وَبَعَثَ إِلَيْهِ بَهْمَنْ جَاذَوَيْهِ: إِمَّا أَنْ تَعْبُرَ إِلَيْنَا وَنَدَعَكُمْ وَالْعُبُورَ، وَإِمَّا أَنْ تَدَعُونَا نَعْبُرُ إِلَيْكُمْ. فَنَهَاهُ النَّاسُ عَنِ الْعُبُورِ، وَنَهَاهُ سَلِيطٌ أَيْضًا، فَلَجَّ وَتَرَكَ الرَّأْيَ وَقَالَ: لَا يَكُونُوا أَجْرَأَ عَلَى الْمَوْتِ مِنَّا. فَعَبَرَ إِلَيْهِمْ عَلَى جِسْرٍ عَقَدَهُ ابْنُ صَلُوبَا لِلْفَرِيقَيْنِ، وَضَاقَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا نَظَرَتِ الْخُيُولُ إِلَى الْفِيَلَةِ، وَالْخَيْلُ عَلَيْهَا التَّجَافِيفُ، رَأَتْ شَيْئًا مُنْكَرًا لَمْ تَكُنْ رَأَتْ مِثْلَهُ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا حَمَلُوا عَلَيْهِمْ لَمْ تُقْدِمْ عَلَيْهِمْ خُيُولُهُمْ، وَإِذَا حَمَلَتِ الْفُرْسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْفِيَلَةِ وَالْجَلَاجِلِ فَرَقَّتْ خُيُولَهُمْ وَكَرَادِيسَهُمْ وَرَمَوْهُمْ بِالنِّشَابِ. وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ بِالْمُسْلِمِينَ، فَتَرَجَّلَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالنَّاسُ، ثُمَّ مَشَوْا إِلَيْهِمْ ثُمَّ صَافَحُوهُمْ بِالسُّيُوفِ، فَجَعَلَتِ الْفِيَلَةُ لَا تَحْمِلُ عَلَى جَمَاعَةٍ إِلَّا دَفَعَتْهُمْ، فَنَادَى أَبُو عُبَيْدٍ: احْتَوِشُوا الْفِيَلَةَ وَاقْطَعُوا بِطَانَهَا وَاقْلِبُوا عَنْهَا أَهْلَهَا، وَوَثَبَ هُوَ عَلَى الْفِيلِ الْأَبْيَضِ فَقَطَعَ بِطَانَهُ وَوَقَعَ الَّذِينَ عَلَيْهِ، وَفَعَلَ الْقَوْمُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمَا تَرَكُوا فِيلًا إِلَّا حَطُّوا رَحْلَهُ وَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ. وَأَهْوَى الْفِيلُ لِأَبِي عُبَيْدٍ، فَضَرَبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِالسَّيْفِ، وَخَبَطَهُ الْفِيلُ بِيَدِهِ فَوَقَعَ، فَوَطِئَهُ الْفِيلُ وَقَامَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ النَّاسُ تَحْتَ الْفِيلِ خَشَعَتْ أَنْفُسُ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ الَّذِي كَانَ أَمَّرَهُ بَعْدَهُ، فَقَاتَلَ حَتَّى تَنَحَّى عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، فَأَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَحْرَزُوهُ، ثُمَّ قَتَلَ الْفِيلُ الْأَمِيرَ الَّذِي بَعْدَ أَبِي عُبَيْدٍ، وَتَتَابَعَ سَبْعَةُ أَنْفُسٍ مِنْ ثَقِيفٍ، كُلُّهُمْ يَأْخُذُ اللِّوَاءَ وَيُقَاتِلُ حَتَّى يَمُوتَ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ الْمُثَنَّى، فَهَرَبَ عَنْهُ النَّاسُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>