وَيَضْرِبُ بِالطَّنَابِيرِ وَيَعْزِفُ عِنْدَهُ الْقِيَانُ وَيَلْعَبُ بِالْكِلَابِ وَيَسْمُرُ عِنْدَهُ الْحُرَّابُ، وَهُمُ اللُّصُوصُ، وَإِنَّا نُشْهِدُكُمْ أَنَّا قَدْ خَلَعْنَاهُ.
وَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا بَنِيَّ هَؤُلَاءِ لَجَاهَدْتُهُ بِهِمْ، وَقَدْ أَعْطَانِي وَأَكْرَمَنِي وَمَا قَبِلْتُ مِنْهُ عَطَاءَهُ إِلَّا لِأَتَقَوَّى بِهِ.
فَخَلَعَهُ النَّاسُ وَبَايَعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ عَلَى خَلْعِ يَزِيدَ وَوَلَّوْهُ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ فَأَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَكَانَ صَدِيقَ زِيَادٍ، فَأَتَاهُ كِتَابُ يَزِيدَ حَيْثُ بَلَغَهُ أَمْرُ الْمَدِينَةِ يَأْمُرُهُ بِحَبْسِ الْمُنْذِرِ، فَكَرِهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَيْفُهُ وَصَدِيقُ أَبِيهِ، فَدَعَاهُ وَأَخْبَرَهُ بِالْكِتَابِ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدِي فَقُمْ وَقُلِ ائْذَنْ لِي لِأَنْصَرِفَ إِلَى بِلَادِي، فَإِذَا قُلْتُ بَلْ أَقِمْ عِنْدِي فَلَكَ الْكَرَامَةُ وَالْمُوَاسَاةُ، فَقُلْ إِنَّ لِي ضَيْعَةً وَشُغْلًا وَلَا أَجِدُ بُدًّا لِي مِنْ الِانْصِرَافِ، فَإِنِّي آذَنُ لَكَ فِي الِانْصِرَافِ فَتَلْحَقُ بِأَهْلِكَ.
فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ فَعَلَ الْمُنْذِرُ ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُ فِي الِانْصِرَافِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَكَانَ مِمَّنْ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى يَزِيدَ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَجَازَنِي بِمِائَةِ أَلْفٍ وَلَا يَمْنَعُنِي مَا صَنَعَ بِي أَنْ أُخْبِرَكُمْ خَبَرَهُ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَسْكَرُ حَتَّى يَدَعَ الصَّلَاةَ! وَعَابَهُ بِمِثْلِ مَا عَابَهُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَأَشَدَّ.
فَبَعَثَ يَزِيدُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ عَدَدَ النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ قَوْمُكَ، فَإِنَّهُمْ مَا يَمْنَعُهُمْ شَيْءٌ عَمَّا يُرِيدُونَ، فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَنْهَضُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ لَمْ يَجْتَرِئِ النَّاسُ عَلَى (خِلَافِي) .
فَأَقْبَلَ النُّعْمَانُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ الطَّاعَةِ وَخَوَّفَهُمُ الْفِتْنَةَ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ لَا طَاقَةَ لَكُمْ بِأَهْلِ الشَّامِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ الْعَدَوِيُّ: يَا نُعْمَانُ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى فَسَادِ مَا أَصْلَحَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِنَا وَتَفْرِيقِ جَمَاعَتِنَا؟ فَقَالَ النُّعْمَانُ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي بِكَ لَوْ نَزَلَ بِكَ الْجُمُوعُ وَقَامَتْ لَكَ عَلَى الرُّكَبِ تَضْرِبُ مَفَارِقَ الْقَوْمِ وَجِبَاهَهُمْ بِالسَّيْفِ وَدَارَتْ رَحَا الْمَوْتِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ رَكِبْتَ بَغْلَتَكَ إِلَى مَكَّةَ وَخَلَّفْتَ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute