بِعَبْدَوَيْهِ الْأَنْبَارِيِّ، فَقَدَّمُوهُ عَلَيْهِمْ، وَبَايَعُوهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَخْرَجُوا الْمُغِيرَةَ عَنْهُمْ، وَكَتَبُوا إِلَى الْفَضْلِ يَقُولُونَ: إِنَّا لَمْ نُخْرِجْ يَدًا عَنْ طَاعَةٍ، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ السِّيرَةَ، فَأَخْرَجْنَاهُ، فَوَلِّ عَلَيْنَا مَنْ نَرْضَاهُ.
فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ وَسَيَّرَهُ إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا كَانَ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ تُونِسَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ الْجَارُودِ جَمَاعَةً لِيَنْظُرُوا فِي أَيِّ شَيْءٍ قَدِمَ وَلَا يُحْدِثُوا حَدَثًا إِلَّا بِأَمْرِهِ، فَسَارُوا إِلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ الْفَضْلَ يَخْدَعُكُمْ بِوِلَايَةِ هَذَا، ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْكُمْ بِإِخْرَاجِكُمْ أَخَاهُ.
فَعَدَوْا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا مَنْ مَعَهُ مِنَ الْقُوَّادِ أُسَارَى، فَاضْطَرَّ حِينَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَارُودِ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الْقِيَامِ وَالْجِدِّ فِي إِزَالَةِ الْفَضْلِ.
فَتَوَلَّى ابْنُ الْفَارِسِيِّ الْأَمْرَ، وَصَارَ يَكْتُبُ إِلَى كُلِّ قَائِدٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ وَمُتَوَلِّي مَدِينَةٍ يَقُولُ لَهُ: إِنَّا نَظَرْنَا فِي صَنِيعِ الْفَضْلِ فِي بِلَادِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسُوءِ سِيرَتِهِ، فَلَمْ يَسَعْنَا إِلَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِنُخْرِجَهُ عَنَّا، ثُمَّ نَظَرْنَا فَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا أَوْلَى بِنَصِيحَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِبُعْدِ صَوْتِهِ وَعَطْفِهِ عَلَى جُنْدِهِ مِنْكَ، فَرَأَيْنَا أَنْ تُجْعَلَ نُفُوسُنَا دُونَكَ، فَإِنْ ظَفِرْنَا جَعَلْنَاكَ أَمِيرَنَا، وَكَتَبْنَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ نَسْأَلُهُ وِلَايَتَكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى فَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ أَنَّنَا أَرَدْنَاكَ، وَالسَّلَامُ.
فَأَفْسَدَ بِهَذَا كَافَّةَ الْجُنْدِ عَلَى الْفَضْلِ، وَكَثُرَ الْجَمْعُ عِنْدَهُمْ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمُ الْفَضْلُ عَسْكَرًا كَثِيرًا، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ، فَقَاتَلُوهُ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُ وَعَادَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ مُنْهَزِمًا، وَتَبِعَهُمْ أَصْحَابُ ابْنِ الْجَارُودِ، فَحَاصَرُوا الْقَيْرَوَانَ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ فَتَحَ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ الْأَبْوَابَ.
وَدَخَلَ ابْنُ الْجَارُودِ وَعَسْكَرُهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَأَخْرَجَ الْفَضْلَ مِنَ الْقَيْرَوَانِ، وَوَكَّلَ بِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يُوصِلَهُمْ إِلَى قَابِسَ، فَسَارُوا يَوْمَهُمْ، ثُمَّ رَدَّهُمُ ابْنُ الْجَارُودِ، وَقَتَلَ الْفَضْلَ بْنَ رَوْحِ بْنِ حَاتِمٍ.
فَلَمَّا قُتِلَ الْفَضْلُ غَضِبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْجُنْدِ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى قِتَالِ ابْنِ الْجَارُودِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ عَسْكَرًا فَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُ، وَعَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ وَاسْتَوْلَى أُولَئِكَ الْجُنْدُ عَلَى الْقَيْرَوَانِ، وَكَانَ ابْنُ الْجَارُودِ بِمَدِينَةِ تُونِسَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ تَفَرَّقُوا بَعْدَ دُخُولِ الْقَيْرَوَانِ.
فَوَصَلَ إِلَيْهِمُ ابْنُ الْجَارُودِ، فَلَقَوْهُ وَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَهُمُ ابْنُ الْجَارُودِ وَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِهِمْ، فَانْهَزَمُوا، فَلَحِقُوا بِالْأَرْبَسِ، وَقَدَّمُوا عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ سَعِيدٍ وَالِي بَلَدِ الزَّابِ وَسَارُوا إِلَى الْقَيْرَوَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute