للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخَذُوا عَبْدَ النَّبِيِّ أَسِيرًا وَزَوْجَتَهُ الْمَدْعُوَّةَ بِالْحُرَّةِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً صَالِحَةً كَثِيرَةَ الصَّدَقَةِ لَا سِيَّمَا إِذَا حَجَّتْ، فَإِنَّ فُقَرَاءَ الْحَاجِّ كَانُوا يَجِدُونَ عِنْدَهَا صَدَقَةً دَارَّةً، وَخَيْرًا كَثِيرًا، وَمَعْرُوفًا عَظِيمًا، [وَسَلَّمَ شَمْسُ الدَّوْلَةِ عَبْدَ النَّبِيِّ] إِلَى بَعْضِ أُمَرَائِهِ، يُقَالُ لَهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ مُبَارَكُ بْنُ كَامِلٍ مِنْ بَنِي مُنْقِذٍ، أَصْحَابِ شَيْزَرَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنْهُ الْأَمْوَالَ، فَأَعْطَاهُ مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ إِنَّهُ دَلَّهُمْ عَلَى قَبْرٍ كَانَ قَدْ صَنَعَهُ لِوَالِدِهِ، وَبَنَى عَلَيْهِ بِنْيَةً عَظِيمَةً، وَلَهُ هُنَاكَ دَفَائِنُ كَثِيرَةٌ، فَأَعْلَمَهُمْ بِهَا، فَاسْتُخْرِجَتِ الْأَمْوَالُ مِنْ هُنَاكَ وَكَانَتْ جَلِيلَةَ الْمِقْدَارِ، وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَإِنَّهَا أَيْضًا كَانَتْ تَدُلُّهُمْ عَلَى وَدَائِعَ لَهَا، فَأَخَذَ مِنْهَا مَالًا كَثِيرًا.

وَلَمَّا مَلَكُوا زَبِيدَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ لَهُمْ بِهَا، وَدَانَ أَهْلُهَا، وَأُقِيمَتْ فِيهَا الْخُطْبَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ، أَصْلَحُوا حَالَهَا، وَسَارُوا إِلَى عَدَنَ، وَهِيَ عَلَى الْبَحْرِ، وَلَهَا مَرْسًى عَظِيمٌ، وَهِيَ فُرْضَةُ الْهِنْدِ وَالزِّنْجِ وَالْحَبَشَةِ، وَعُمَانَ وَكِرْمَانَ، وَكِيشَ، وَفَارِسَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْبَرِّ مِنْ أَمْنَعِ الْبِلَادِ وَأَحْصَنِهَا، وَصَاحِبُهَا إِنْسَانٌ اسْمُهُ يَاسِرٌ، فَلَوْ أَقَامَ بِهَا وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا لَعَادُوا خَائِبِينَ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ جَهْلُهُ وَانْقِضَاءُ مُدَّتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ وَمُبَاشَرَةِ قِتَالِهِمْ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ فَانْهَزَمَ يَاسِرٌ وَمَنْ مَعَهُ، وَسَبَقَهُمْ بَعْضُ عَسْكَرِ شَمْسِ الدَّوْلَةِ، فَدَخَلُوا الْبَلَدَ قَبْلَ أَهْلِهِ، فَمَلَكُوهُ، وَأَخَذُوا صَاحِبَهُ يَاسِرًا أَسِيرًا، وَأَرَادُوا نَهْبَ الْبَلَدِ، فَمَنَعَهُمْ شَمْسُ الدَّوْلَةِ، وَقَالَ: مَا جِئْنَا لِنُخَرِّبَ الْبِلَادَ، وَإِنَّمَا جِئْنَا لِنَمْلِكَهَا وَنُعَمِّرَهَا وَنَنْتَفِعَ بِدَخْلِهَا، فَلَمْ يَنْهَبْ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا، فَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا وَثَبَتَ مُلْكُهُ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ.

وَلَمَّا مَضَى إِلَى عَدَنَ كَانَ مَعَهُ عَبْدُ النَّبِيِّ صَاحِبُ زَبِيدَ مَأْسُورًا، فَلَمَّا دَخَلَ إِلَى عَدَنَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! كُنْتُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّنِي أَدْخُلُ إِلَى (عَدَنَ فِي مَوْكِبٍ كَبِيرٍ) فَأَنَا أَنْتَظِرُ ذَلِكَ وَأُسَرُّ بِهِ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّنِي أَدْخُلُهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ.

وَلَمَّا فَرَغَ شَمْسُ الدَّوْلَةِ مِنْ أَمْرِ عَدَنَ عَادَ إِلَى زَبِيدَ، وَحَصَرَ مَا فِي الْجَبَلِ مِنَ الْحُصُونِ، فَمَلَكَ قَلْعَةَ تَعِزَّ، وَهِيَ مِنْ أَحْصَنِ الْقِلَاعِ، وَبِهَا تَكُونُ خَزَائِنُ صَاحِبِ زَبِيدَ، وَمَلَكَ أَيْضًا قَلْعَةَ التَّعْكَرِ وَالْجَنَدِ وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَعَاقِلِ وَالْحُصُونِ، وَاسْتَنَابَ بِعَدَنَ عِزَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>