للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ بِهَا مِنَ الْكُرْجِ، طَمِعُوا فِيهِ لِقِلَّةِ مَنْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَعَهُمْ، فَظَهَرُوا إِلَيْهِ فَقَاتَلُوهُ، فَتَأَخَّرَ عَنْهُمْ، فَقَوِيَ طَمَعُهُمْ فِيهِ لِقِلَّةِ مَنْ مَعَهُ، فَظَنُّوهُ مُنْهَزِمًا فَتَبِعُوهُ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوا الْعَسَاكِرَ، خَرَجُوا عَلَيْهِمْ وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيهِمْ، فَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلُوهَا، وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا نَادَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِهَا بِشِعَارِ الْإِسْلَامِ، وَبَاسِمِ جَلَالِ الدِّينِ، فَأَلْقَى الْكُرْجُ بِأَيْدِيهِمْ وَاسْتَسْلَمُوا ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ قُتِلَ رِجَالُهُمْ فِي الْوَقَعَاتِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَلَّ عَدَدُهُمْ، وَمُلِئَتْ قُلُوبُهُمْ خَوْفًا وَرُعْبًا، فَمَلَكَ الْمُسْلِمُونَ الْبَلَدَ عَنْوَةً وَقَهْرًا بِغَيْرِ أَمَانٍ، وَقُتِلَ كُلُّ مَنْ فِيهِ مِنَ الْكُرْجِ، وَلَمْ يُبْقِ عَلَى كَبِيرٍ وَلَا صَغِيرٍ إِلَّا مَنْ أَذْعَنَ بِالْإِسْلَامِ، وَأَقَرَّ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ أَبْقَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ فَتَخَتَّنُوا وَتَرَكَهُمْ.

وَنَهَبَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْوَالَ، وَسَبُوا النِّسَاءَ وَاسْتَرَقُّوا الْأَوْلَادَ، وَوَصَلَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِهَا بَعْضُ الْأَذَى مِنْ قَتْلٍ وَنَهْبٍ وَغَيْرِهِ.

وَتِفْلِيسُ هَذِهِ مِنْ أَحْصَنِ الْبِلَادِ وَأَمْنَعِهَا، وَهِيَ عَلَى جَانِبَيْ نَهْرِ الْكُرِّ، وَهُوَ نَهْرٌ كَبِيرٌ، وَلَقَدْ جَلَّ هَذَا الْفَتْحُ وَعَظُمَ مَوْقِعُهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْكُرْجَ كَانُوا قَدِ اسْتَطَالُوا عَلَيْهِمْ، وَفَعَلُوا بِهِمْ مَا أَرَادُوا، فَكَانُوا يَقْصِدُونَ أَيَّ بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ أَرَادُوا، فَلَا يَمْنَعُهُمْ عَنْهَا مَانِعٌ، وَلَا يَدْفَعُهُمْ عَنْهَا دَافِعٌ، وَهَكَذَا أَرْزَنُ الرُّومِ، حَتَّى إِنَّ صَاحِبَهَا لَبِسَ خِلْعَةَ مَلِكِ الْكُرْجِ، وَرَفَعَ عَلَى رَأْسِهِ عَلَمًا فِي أَعْلَاهُ صَلِيبٌ، وَتَنَصَّرَ وَلَدُهُ رَغْبَةً فِي نِكَاحِ مَلِكَةِ الْكُرْجِ، وَخَوْفًا مِنْهُمْ لِيَدْفَعَ الشَّرَّ عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْقِصَّةُ، وَهَكَذَا دَرْبَنَدْ شِرْوَانَ.

وَعَظُمَ أَمْرُهُمْ إِلَى حَدِّ أَنَّ رُكْنَ الدِّينِ بْنَ قَلِجْ أَرْسِلَانَ، صَاحِبَ قُونِيَّةَ وَأَقْصَرَا وَمَلَطْيَةَ وَسَائِرِ بِلَادِ الرُّومِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ، جَمَعَ عَسَاكِرَهُ، وَحَشَدَ مَعَهَا غَيْرَهَا فَاسْتَكْثَرَ، وَقَصَدَ أَرْزَنَ الرُّومِ، وَهِيَ لِأَخِيهِ طُغْرُلَ شَاهْ بْنِ قَلِجْ أَرْسِلَانَ، فَأَتَاهُ الْكُرْجُ وَهَزَمُوهُ، وَفَعَلُوا بِهِ وَبِعَسْكَرِهِ كُلَّ عَظِيمٍ، وَكَانَ أَهْلُ دَرْبَنْدَ شِرْوَانَ مَعَهُمْ فِي الضَّنْكِ وَالضِّيقَةِ.

وَأَمَّا أَرْمِينِيَّةُ، فَإِنَّ الْكُرْجَ دَخَلُوا مَدِينَةَ أَرْجِيشَ، وَمَلَكُوا قَرْسَ وَغَيْرَهَا، وَحَصَرُوا خِلَاطَ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - مَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَسْرِ إِيوَانِي مُقَدَّمِ عَسَاكِرِ الْكُرْجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>