لَمَلَكُوهَا، فَاضْطُرَّ أَهْلُهَا إِلَى أَنْ بَنَوْا لَهُمْ بَيْعَةً فِي الْقَلْعَةِ يُضْرَبُ فِيهَا النَّاقُوسُ، فَرَحَلُوا عَنْهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْحَمْلَةِ.
وَلَمْ يَزَلْ هَذَا الثَّغْرُ مِنْ أَعْظَمِ الثُّغُورِ ضَرَرًا عَلَى الْمُجَاوِرِينَ لَهُ مِنَ الْفُرْسِ، قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُمْ، مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْآنَ، وَلَمْ يُقْدِمْ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ هَذَا الْإِقْدَامَ، وَلَا فَعَلَ بِهِمْ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ، فَإِنَّ الْكُرْجَ مَلَكُوا تِفْلِيسَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالسُّلْطَانُ حِينَئِذٍ مَحْمُودُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ مَلِكْشَاهْ السَّلْجُوقِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ السَّلَاطِينِ مَنْزِلَةً، وَأَوْسَعِهِمْ مَمْلَكَةً، وَأَكْثَرِهِمْ عَسَاكِرَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ عَنْهَا، هَذَا مَعَ سِعَةِ بِلَادِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ الرَّيُّ وَأَعْمَالُهَا، وَبَلَدُ الْجَبَلِ وَأَصْفَهَانُ، وَفَارِسُ وخُوزِسْتَانُ، وَالْعِرَاقُ وَأَذْرَبِيجَانُ، وَأَرَّانُ وَأَرْمِينِيَّةُ، وَدِيَارُ بَكْرٍ وَالْجَزِيرَةُ، وَالْمَوْصِلُ وَالشَّامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَعَمُهُ السُّلْطَانُ سَنْجَرٌ لَهُ خُرَاسَانُ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَكَانَ أَكْثَرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِأَيْدِيهِمْ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ جَمَعَ عَسَاكِرَهُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهُ أَخُوهُ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ، وَمَلَكَ إِلْدكزُ بَلَدَ الْجَبَلِ وَالرَّيَّ، وَأَصْفَهَانَ وَأَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانَ، وَأَطَاعَهُ صَاحِبُ خِلَاطَ، وَصَاحِبُ فَارِسَ، وَصَاحِبُ خُوزِسْتَانَ، وَجَمَعَ وَحَشَدَ لَهُمْ، وَكَانَ قُصَارَاهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُمْ، ثُمَّ ابْنُهُ الْبَهْلَوَانُ بَعْدَهُ، وَكَانَتِ الْبِلَادُ فِي أَيَّامِ أُولَئِكَ عَامِرَةً كَثِيرَةَ الْأَمْوَالِ وَالرِّجَالِ، فَلَمْ يُحَدِّثُوا أَنْفُسَهُمْ بِالظَّفَرِ بِهَؤُلَاءِ، حَتَّى جَاءَ هَذَا السُّلْطَانُ وَالْبِلَادُ خَرَابٌ قَدْ أَضْعَفَهَا الْكُرْجُ أَوَّلًا، ثُمَّ اسْتَأْصَلَهَا التَّتَرُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَفَعَلَ بِهِمْ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ، فَسُبْحَانَ مَنْ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا، قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
ذِكْرُ مَسِيرِ مُظَفَّرِ الدِّينِ صَاحِبِ إِرْبِلَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَعَوْدِهِ عَنْهَا.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، سَارَ مُظَفَّرُ الدِّينِ بْنُ زَيْنِ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ، إِلَى أَعْمَالِ الْمَوْصِلِ قَاصِدًا إِلَيْهَا. وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمَ شَاهْ، وَبَيْنَ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ صَاحِبِ دِمَشْقَ، وَبَيْنَ صَاحِبِ آمِدَ، وَبَيْنَ نَاصِرِ الدِّينِ صَاحِبِ مَارِدِينَ، لِيَقْصِدُوا الْبِلَادَ الَّتِي بِيَدِ الْأَشْرَفِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute