وَيَتَغَلَّبُوا عَلَيْهَا، وَيَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبٌ ذَكَرَهُ، وَاسْتَقَرَّتِ الْقَوَاعِدُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَبَادَرَ مُظَفَّرُ الدِّينِ إِلَى الْمَوْصِلِ.
وَأَمَّا جَلَالُ الدِّينِ فَإِنَّهُ سَارَ مِنْ تِفْلِيسَ يُرِيدُ خِلَاطَ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ نَائِبَهُ بِبِلَادِ كِرْمَانَ، وَاسْمُهُ " بَلَاقْ حَاجِبَ "، قَدْ عَصَى عَلَيْهِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ، تَرَكَ خِلَاطَ وَلَمْ يَقْصِدْهَا، إِلَّا أَنَّ عَسْكَرَهُ نَهَبَ بَعْضَ بَلَدِهَا وَخَرَّبَ كَثِيرًا مِنْهُ، وَسَارَ مُجِدًّا إِلَى كِرْمَانَ، فَانْفَسَخَ جَمِيعُ مَا كَانُوا عَزَمُوا عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ مُظَفَّرَ الدِّينِ سَارَ مِنْ إِرْبِلَ وَنَزَلَ عَلَى جَانِبِ الزَّابِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْعُبُورُ إِلَى بَلَدِ الْمَوْصِلِ.
وَكَانَ بَدْرُ الدِّينِ قَدْ أَرْسَلَ مِنَ الْمَوْصِلِ إِلَى الْأَشْرَفِ وَهُوَ بِالرَّقَّةِ يَسْتَنْجِدُهُ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَحْضُرَ بِنَفْسِهِ الْمَوْصِلَ لِيَدْفَعَ مُظَفَّرَ الدِّينِ، فَسَارَ مِنْهَا إِلَى حَرَّانَ، وَمِنْ حَرَّانَ إِلَى دُنَيْسِرَ، فَخَرَّبَ بَلَدَ مَارِدِينَ وَأَهْلَهُ تَخْرِيبًا وَنَهْبًا.
وَأَمَّا الْمُعَظَّمُ صَاحِبُ دِمَشْقَ، فَإِنَّهُ قَصَدَ بَلَدَ حِمْصَ وَحَمَاةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ الْأَشْرَفِ يَقُولُ: إِنْ رَحَلْتَ عَنْ مَارِدِينَ وَحَلَبَ، وَأَنَا عَنْ حِمْصَ وَحَمَاةَ، وَأَرْسَلْتُ إِلَى مُظَفَّرِ الدِّينِ لِيَرْجِعَ عَنْ بَلَدِ الْمَوْصِلِ، فَرَحَلَ الْأَشْرَفُ عَنْ مَارِدِينَ، وَعَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى بَلَدِهِ، وَخُرِّبَتْ أَعْمَالُ الْمَوْصِلِ، وَأَعْمَالُ مَارِدِينَ بِهَذِهِ الْحَرَكَةِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ قَدْ أَجْحَفَ بِهَا تَتَابُعُ الْغَلَاءِ وَطُولُ مُدَّتِهِ، وَجَلَاءُ أَكْثَرِ أَهْلِهَا، فَأَتَتْهَا هَذِهِ الْحَادِثَةُ فَازْدَادَتْ خَرَابًا عَلَى خَرَابٍ.
ذِكْرُ عِصْيَانِ كِرْمَانَ عَلَى جَلَالِ الدِّينِ وَمَسِيرِهِ إِلَيْهَا.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى جَلَالِ الدِّينِ أَنَّ نَائِبَهُ بِكِرْمَانَ، وَهُوَ أَمِيرٌ كَبِيرٌ اسْمُهُ بَلَاقْ حَاجِبَ، قَدْ عَصَى عَلَيْهِ، وَطَمِعَ فِي الْبِلَادِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَيَسْتَبِدَّ بِهَا لِبُعْدِ جَلَالِ الدِّينِ عَنْهَا، وَاشْتِغَالِهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْكُرْجِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى التَّتَرِ يُعْرِّفُهُمْ قُوَّةَ جَلَالِ الدِّينِ وَمُلْكَهُ كَثِيرًا مِنَ الْبِلَادِ، وَإِنْ أَخَذَ الْبَاقِي عَظُمَتْ مَمْلَكَتُهُ، وَكَثُرَتْ عَسَاكِرُهُ، وَأَخَذَ مَا بِأَيْدِيكُمْ مِنَ الْبِلَادِ.
فَلَمَّا سَمِعَ جَلَالُ الدِّينِ ذَلِكَ كَانَ قَدْ سَارَ يُرِيدُ خِلَاطَ، فَتَرَكَهَا وَسَارَ إِلَى كِرْمَانَ [يَطْوِي الْمَرَاحِلَ، وَأَرْسَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَسُولًا إِلَى صَاحِبِ كِرْمَانِ] ، وَمَعَهُ الْخِلَعُ لِيَطْمَئِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute