وَيَأْتِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاطٍ وَلَا مُسْتَعِدٍّ لِلِامْتِنَاعِ مِنْهُ، فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مَكِيدَةٌ عَلَيْهِ لِمَا يَعْرِفُهُ مِنْ عَادَتِهِ، فَأَخَذَ مَا يَعِزُّ عَلَيْهِ وَصَعِدَ إِلَى قَلْعَةٍ مَنِيعَةٍ فَتَحَصَّنَ بِهَا، وَجَعَلَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْحُصُونِ يَمْتَنِعُونَ بِهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى جَلَالِ الدِّينِ يَقُولُ: إِنَّنِي أَنَا الْعَبْدُ وَالْمَمْلُوكُ، وَلَمَّا سَمِعْتُ بِمَسِيرِكَ إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ، أَخْلَيْتُهَا لَكَ لِأَنَّهَا بِلَادُكَ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تُبْقِي عَلَيَّ، لَحَضَرْتُ بَابَكَ، وَلَكِنِّي أَخَافُ هَذَا جَمِيعَهُ، وَالرَّسُولُ يَحْلِفُ (لَهُ) أَنَّ جَلَالَ الدِّينِ بِتِفْلِيسَ، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى قَوْلِهِ، فَعَادَ الرَّسُولُ، فَعَلِمَ جَلَالُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ مَا بِيَدِهِ مِنَ الْحُصُونِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ [أَنْ] يَحْصُرَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَوَقَفَ بِالْقُرْبِ مِنْ أَصْفَهَانَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخِلَعَ، وَأَقَرَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ.
فَبَيْنَمَا الرُّسُلُ تَتَرَدَّدُ إِذْ وَصَلَ رَسُولٌ مِنْ وَزِيرِ جَلَالِ الدِّينِ إِلَيْهِ مِنْ تِفْلِيسَ، يُعَرِّفُهُ أَنَّ عَسْكَرَ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ الَّذِي بِخِلَاطَ قَدْ هَزَمُوا بَعْضَ عَسْكَرِهِ وَأَوْقَعُوا بِهِمْ، وَيَحُثُّهُ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى تِفْلِيسَ، فَعَادَ إِلَيْهَا مُسْرِعًا.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عَسْكَرِ الْأَشْرَفِ وَعَسْكَرِ جَلَالِ الدِّينِ.
لَمَّا سَارَ جَلَالُ الدِّينِ إِلَى كِرْمَانَ، تَرَكَ بِمَدِينَةِ تِفْلِيسَ عَسْكَرًا مَعَ وَزِيرِهِ شَرَفِ الْمُلْكِ، فَقُلْتُ عَلَيْهِمُ الْمِيرَةُ، فَسَارُوا إِلَى أَعْمَالِ أَرْزَنَ الرُّومِ، فَوَصَلُوا إِلَيْهَا وَنَهَبُوهَا، وَسَبُوا النِّسَاءَ، وَأَخَذُوا مِنَ الْغَنَائِمِ شَيْئًا كَثِيرًا لَا يُحْصَى، وَعَادُوا فَكَانَ طَرِيقُهُمْ عَلَى أَطْرَافِ وِلَايَةِ خِلَاطَ، فَسَمِعَ النَّائِبُ عَنِ الْأَشْرَفِ فِي خِلَاطَ. وَهُوَ الْحَاجِبُ حُسَامُ الدِّينِ عَلَى الْمَوْصِلِ، فَجَمَعَ الْعَسْكَرَ وَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ وَاسْتَنْقَذَ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَغَنِمَ كَثِيرًا مِمَّا مَعَهُمْ، وَعَادَ هُوَ وَعَسَاكِرُهُ سَالِمِينَ.
فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ، خَافَ وَزِيرُ جَلَالِ الدِّينِ مِنْهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِهِ بِكِرْمَانَ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، وَيَحُثُّهُ عَلَى الْعَوْدِ إِلَيْهِ، وَيُخَوِّفُهُ عَاقِبَةَ التَّوَانِي وَالْإِهْمَالِ، فَرَجَعَ فَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute