ذِكْرُ وَفَاةِ الْخَلِيفَةِ الظَّاهِرِ بِأَمْرِ اللَّهِ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ، تُوُفِّيَ الْإِمَامُ الظَّاهِرُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَسَبُهُ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَكَانَتْ خِلَافَتُهُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَكَانَ نِعْمَ الْخَلِيفَةِ، جَمَعَ الْخُشُوعَ مَعَ الْخُضُوعِ لِرَبِّهِ، وَالْعَدْلَ وَالْإِحْسَانَ إِلَى رَعِيَّتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ ذِكْرِ وِلَايَتِهِ الْخِلَافَةَ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلَمْ يَزَلْ كُلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الرَّعِيَّةِ، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَأَحْسَنَ مُنْقَلَبَهُ وَمَثْوَاهُ، فَلَقَدْ جَدَّدَ مِنَ الْعَدْلِ مَا كَانَ دَارِسًا، وَأَذْكَرَ مِنَ الْإِحْسَانِ مَا كَانَ مَنْسِيًّا.
وَكَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَخْرَجَ تَوْقِيعًا إِلَى الْوَزِيرِ بِخَطِّهِ لِيَقْرَأَهُ عَلَى أَرْبَابِ الدَّوْلَةِ، وَقَالَ الرَّسُولُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ: لَيْسَ غَرَضُنَا أَنْ يُقَالَ بَرَزَ مَرْسُومٌ، أَوْ نُفِّذَ مُنَاكَ، ثُمَّ لَا يَبِينُ لَهُ أَثَرٌ، بَلْ أَنْتُمْ إِلَى إِمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى إِمَامٍ قَوَّالٍ، فَقَرَءُوهُ، فَإِذَا فِي أَوَّلِهِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ:
" اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ إِمْهَالُنَا إِهْمَالًا، وَلَا إِغْضَاؤُنَا إِغْفَالًا، وَلَكِنْ لِنَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَقَدْ عَفَوْنَا لَكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ إِخْرَابِ الْبِلَادِ، وَتَشْرِيدِ الرَّعَايَا، وَتَقْبِيحِ السُّمْعَةِ، وَإِظْهَارِ الْبَاطِلِ الْجَلِيِّ فِي صُورَةِ الْحَقِّ الْخَفِيِّ حِيلَةً وَمَكِيدَةً، وَتَسْمِيَةِ الِاسْتِئْصَالِ وَالِاجْتِيَاحِ اسْتِيفَاءً وَاسْتِدْرَاكًا لِأَغْرَاضٍ انْتَهَزْتُمْ فُرْصَتَهَا مُخْتَلَسَةً مِنْ بَرَاثِنِ لَيْثٍ بَاسِلٍ، وَأَنْيَابِ أَسَدٍ مَهِيبٍ، تَتَّفِقُونَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنْتُمْ أُمَنَاؤُهُ وَثِقَاتُهُ، فَتُمِيلُونَ رَأْيَهُ إِلَى هَوَاكُمْ، وَتَمْرُجُونَ بَاطِلَكُمْ بِحَقِّهِ، فَيُطِيعُكُمْ وَأَنْتُمْ لَهُ عَاصُونَ، وَيُوَافِقُكُمْ وَأَنْتُمْ لَهُ مُخَالِفُونَ، وَالْآنَ قَدْ بَدَّلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بِخَوْفِكُمْ أَمْنًا، وَبِفَقْرِكُمْ غِنًى، وَبِبَاطِلِكُمْ حَقًّا، وَرَزَقَكُمْ سُلْطَانًا يُقِيلُ الْعَثْرَةَ وَيَقْبَلُ الْمَعْذِرَةَ، وَلَا يُؤَاخِذُ إِلَّا مَنْ أَصَرَّ، وَلَا يَنْتَقِمُ إِلَّا مِمَّنِ اسْتَمَرَّ، يَأْمُرُكُمْ بِالْعَدْلِ وَهُوَ يُرِيدُهُ مِنْكُمْ، وَيَنْهَاكُمْ عَنِ الْجَوْرِ وَهُوَ يَكْرَهُهُ لَكُمْ، يَخَافُ اللَّهَ - تَعَالَى، فَيُخَوِّفُكُمْ مَكْرَهُ، وَيَرْجُو اللَّهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute