للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين أخذ، ولا بمجاملة المسيحيين اقتدى، بل طريقته هي طريقة المبشرين

بعينها، تُشعرك وقاحة الكاتب وغرورَه وانتشار عُقَدِه، مع أنهم قالوا إن هذه

الصلاة من الرجل المسلم إنما تكون دليلاً على خلوص نيته وقوة عقيدته، وأنه لا شوب فيها ولا شرك، وعلى أن بشاشة الإيمان قد خالطت قلبه، ولكن شيخ الجامعة قد تجرد من دينه منذ الصفحة الأولى، وقد والله صدق فيه الحديث.

"رَغِمَ أنفُ عبد ذُكِرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ "

فما أنف أَرغَمُ من أنف طه حسين كمداً وذلاً وخزياً ولعنة.

والأستاذ يكذب الحديث الصحيح ويتهكم به كما رأيت في بعض ما مر.

وما نظن أحداً يسلم من تكذيبه، بل هو يقول في صفحة ١٢٨: " فأنا لا أقدس أحداً من الذين يعاصرونني ولا أبرئه من الكذب والانتحال".

فإذا كان هذا من رأيه فيمن يعاصرونه ويعرفهم حق المعرفة، فيهم أستاذه

وصديقه وأبوه وأمه، فكيف به فيمن لا يعرفهم إلا من الكتب، بل هو يكاد

يصرح في صفحة ١٠١ أن كل شخص لا يعرفه فأكبر الظن عنده أنه من

أشخاص الأساطير لم يوجد قط؛ قال: "نحن لا نعرف مَن سَعد ومن مالك ومن زيدُ مَناة، فأكبر الظن عندنا أنهم أشخاصُ أساطير لم يوجدوا قط ".

فهل تعرف يا أستاذ الجامعة أولئك الذي ألفوا كتب التاريخ؛ وإذا كنت لا

تعرفهم فليس ما يمنع أن يكونوا أشخاص أساطير، وإذن فالكتب قد ألَّفَت

نفسها. . . إذ لو قلت: إن غير أولئك ألفوها قلنا لك: وهؤلاء لا تعرفهم؛ فلا تزال تدور في محال لو أخذنا بقياسك الفاسد ورأيك السقيم!

قالوا: سعد ومالك وزيدُ مَناة وفلان وفلان، وفسروهم وأخبرونا خبرهم.

فإن قلنا إننا لا نعرفهم ولم نثبتهم عياناً فيجوز لذلك أن يكونوا رجال أساطير - صدق هذا على كل ما كان قبلنا، وسيصدق علينا وعلى تاريخنا إذا جاء من بعدنا ووِرثتنا الدنيا، فلا يكون العلم التام إلا الجهل التام، وحسبك بهذا جهلاً ممن يقول به.

ثم إنه ليس في الطبيعة الإنسانية تواطؤ على نمط واحد من

الخُلُق، فإن وُجد الكذب وُجد معه الصدق، وإن كانت الغفلة كان التحزز، وإن عُرف التلفيق عُرف النقد والتمحيص، وما قطُّ وُجدت أمة يُجمع كل أدبائها وعلمائها على الكذب.

ولقد امتازت الأمة الإسلامية دون كل الأمم بعلم الرواية وشروطه

الكثيرة، كما بسطنا الكلام عليه في الجزء الأول من تاريخ آداب العرب؛

<<  <   >  >>