وَأَنْكَرُوا الشِّعْرَ! فَقَالَ لَهُمُ الْقَاضِي: مَا تَقُولُونَ فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: أَنَا مَشْغُولٌ بِتَصْنِيفِ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ، وَلَسْتُ أَقُولُ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ مِثْلَ ذَلِكَ لاشْتِغَالِهِ بِالْقِرَاءَاتِ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ مَوْضُوعَاتِ أَبِي عُمَرَ، وَلا أَصْلَ لَهَا وَلا لِشَيْءٍ مِنْهَا فِي اللُّغَةِ، وَانْصَرَفُوا.
فَبَلَغَ أَبَا عُمَرَ ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ مَعَ الْقَاضِي، وَسَأَلَهُ إِحْضَارَ دَوَاوِينِ جَمَاعَةٍ مِنْ قُدَمَاءِ الشُّعَرَاءِ عَيَّنَهُمْ لَهُ، فَفَتَحَ الْقَاضِي خَزَانَتَهُ، وَأَخْرَجَ لَهُ تِلْكَ الدَّوَاوِينَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو عُمَرَ يَعْمِدُ إِلَي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَيُخْرِجُ لَهَا شَاهِدًا مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الدَّوَاوِينِ، وَيَعْرِضُهُ عَلَى الْقَاضِي حَتَّى اسْتَوْفَى جَمِيعَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ أَنْشَدَهُمَا ثَعْلَبٌ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي، وَكَتَبَهُمَا الْقَاضِي بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ كِتَابِ الْقَاضِي الْفُلانِيِّ: فَلَمَّا أَحْضَرَ الْقَاضِي الْكِتَابَ، فَوَجَدَ الْبَيْتَيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَطِّهِ، كَمَا ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ، وَانْتَهَتِ الْقِصَّةُ إِلَى ابْنِ دُرَيْدٍ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا عُمَرَ بِلَفْظِهِ حَتَّى مَاتَ.
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَسَّالُ الأَصْبَهَانِيُّ
مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ السُّوذَرْجَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَنْدَهْ يَقُولُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ لَمْ أَرَ فِيهِمْ أَتْقَنَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْعَسَّالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute