فلما أفضى ذلك [٥٢ ظ] إلى ما نقل من الاختلاف والتكثير اختار الصحابة رضي الله عنهم الاقتصار على اللفظ المنزل المأذون في كتابته، وترك الباقي للخوف من غائلته، فالمهجور هو ما لم يثبت إنزاله، بل هو من الضرب المأذون فيه بحسب ما خف وجرى على ألسنتهم.
قال الإمام أبو جعفر الطبري:
"الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت. كما أمرت، إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة، أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت: إما بعتق أو إطعام أو كسوة. فلو أجمع جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث دون حظرها التكفير فيها بأي الثلاث شاء الكفر، كانت مصيبة حكم الله مؤيدة في ذلك الواجب عليها في حق الله، فكذلك الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت: فرأت -لعله من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما أذن في قراءته به"(١) .
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
"فحملهم -يعني عثمان رضي الله عنه- على حرف واحد، وجمعهم على مصحف واحد، وحرق ما عدا المصحف [٥٣ و] الذي جمعهم عليه، فاستوسقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ونظرًا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى