وحرروه وضبطوه في تواليفهم على ما سيأتي شرحه في الباب الخامس إن شاء الله تعالى [٦٥ و] .
وقد قال القاضي أبو بكر الأشعري رحمه الله:
"جميع ما قرأ به قراء الأمصار مما اشتهر عنهم واستفاض نقله ولم يدخل في حكم الشذوذ، ولم يقع بين القراء تناكر له، ولا تخطئه لقارئه، بل رواه سائغا جائزًا من همز وإدغام ومد وتشديد وحذف وإمالة، أو ترك كل ذلك، أو شيء منه، أو تقديم وتأخير، فإنه كله منزل من عند الله تعالى ومما وقف الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صحته وخير بينه وبين غيره وصوب جميع القراءة به. ولو سوغنا لبعض القراء إمالة ما لم يمله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة أو غير ذلك، لسوغنا لهم مخالفة جميع قراءة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وأطال الكلام في تقرير ذلك، وجوز أن يكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرئ واحدًا بعض القرآن بحرف، وبعضه بحرف آخر على قدر ما يراه أيسر على القارئ.
فظهر لي من هذا: أن اختلاف القراء في الشيء الواحد مع اختلاف المواضع من هذا على قدر ما رووا، وأن ذلك المتلقن له من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك الوجه أقرأ غيره كما سمعه، ثم من بعده كذلك إلى أن اتصل بالسبعة، ومثاله قراءة نافع "يُحْزِنُ" بضم الياء وكسر الزاي في جميع [٦٥ ظ] القرآن (١) ، إلا حرف
(١) يعني "ولا يحزنك" في آل عمران: ١٧٦، و"ليحزنني" في يوسف: ١٣، و"ليحزن" في المجادلة: ١٠، وقراءة الباقين بفتح الياء وضم الزاي في الكل "انظر: التيسير ص٩١-٩٢، والنشر ٢/ ٢٤٤".