من سنن الله الكونية أن كل شيء يخضع للتدرج في النشأة والتكوين، يتساوى في ذلك الإنسان والحيوان والأفكار والعلوم والفنون، فلا شيء يخلق كاملًا، أو ينشأ ناضجًا مستوي التكوين، وإنما يمر بمراحل زمنية متتابعة، حتى يصل إلى نضجه واستوائه وكماله، وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم تشذ عن تلك القاعدة ولم تخرج عن ذلك الناموس، فنحن نعلم أن سيرة الرسول لم تدون في حياته، أعني: أنه لم يكن من بين الكتَّاب الذين كانوا يكتبون للرسول -صلى الله عليه وسلم- الوحي وغيره -وهم كثيرون- مَن تخصص في تسجيل أحداث حياته صلى الله عليه وسلم؛ الخاصة والعامة، واستمر الحال على ذلك طوال خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة ١١-٤٠هـ ويبدو أنه كان لذلك أسباب كثيرة من أهمها أن الرجال الذين عاصروا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهم صحابته -رضوان الله عليهم جميعًا- لم يكونوا في حاجة إلى تسجيل تلك الأحداث، فهم قد عايشوها وانفعلوا بها وتفاعلوا معها بدرجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الرسالات والدعوات الدينية فكل مشهد منطبع في ذاكرتهم، وكل كلمة نطق بها الرسول حفظوها، وكل عمل من أعماله معروف لديهم تمام المعرفة وبكل التفاصيل، هذا