إلينا كما هو. ولولا ما بقي لنا من علمه مما رواه تلامذته -وبصفة خاصة أشهرهم وأنبغهم محمد بن إسحاق -لكانت خسارتنا فادحة، فإلى ابن إسحاق يرجع الفضل الأكبر في حفظ علم أستاذه الزهري، فهو الذي أوصله إلينا، لأنه كانت تربطه بأستاذه علاقة متينة قائمة على الحب والاحترام، ومما دل على قوة تلك العلاقة ومتانتها، ورفعة مكانة ابن إسحاق عند أستاذه وثقته فيه، أنه كان يعتبره مرجعه الأول في كل ما يتعلق بسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما يحصل عليه من معلومات من طرق أخرى ليتثبت من صحتها. فعندما زار ابن إسحاق مصر، والتقى بعالمها الكبير يزيد بن أبي حبيب، وروى عنه العلم، أرسل إلى أستاذه الزهري، ليتثبت من صحة بعض الروايات, وذلك من أمثال القصة التالية؛ فقد قال ابن إسحاق نفسه:"حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري أنه وجد كتابًا فيه ذكر من بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى البلدان، وملوك العرب والعجم, وما قال لأصحابه حين بعثهم، قال -ابن إسحاق: فبعثت به إلى محمد ابن شهاب الزهري فعرفه"١. واسم الزهري هو الأشهر والأكثر ذكرًا في سيرة ابن إسحاق، وكثيرًا ما يعبر فيما يتعلق بروايته عن الزهري، بقوله: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وأحيانًا يقول: حدثني الزهري فقط، أو حدثني ابن شهاب، أو سألت ابن شهاب الزهري، إلى غير ذلك من التعابير.
وكان الزهري -الذي توفي سنة ١٢٤هـ- عدد آخر من التلاميذ غير ابن إسحاق، وإن كانوا أقل شهرة من ابن إسحاق، ومنهم موسى بن عقبة المتوفى حوالي عام ١٤١هـ. ومعمر بن راشد المتوفى حوالي عام ١٥٤هـ وهما من رجال الطبقة الثالثة ومن كبار علماء المغازي والسير.