التي حملت ابن إسحاق على مغادرة مسقط رأسه -المدينة المنورة- إلى العراق. ونحن لا ننكر أمر الخلاف الذي كان بين ابن إسحاق، وبين كل من مالك بن أنس وهشام بن عروة، فهذا الخلاف مشهور، ومسطور في معظم المصادر الموثوق منها.
ولكننا لا نرى أنه وصل إلى حد العداوة التي حملت ابن إسحاق على مغادرة موطنه، فالخلاف بين بعض العلماء -والقائم في معظمه على اختلاف وجهات النظر في المسائل العلمية- لم يكد يخلو منه جيل ولا قبيل من العلماء، وهذه طبيعة البشر في كل زمان ومكان، والمعاصرة حجاب كما يقولون.
ورغم ذلك لم نسمع أن عالمًا ترك وطنه ورحل إلى غيره من أجل خلاف حدث بينه وبين بعض أقرانه، ثم لو كان ذلك الخلاف هو سبب مغادرة ابن إسحاق المدينة المنورة، فلماذا بقي فيها نصف قرن قبل مغادرتها عند سقوط الدولة الأموية.
وبعد: فعلك أيها القارئ الكريم قد تاقت نفسك إلى معرفة شيء من أمر هذا الخلاف الذي وقع بين هؤلاء الرجال الكبار والعلماء الأفذاذ، ولا تثريب علينا في إيراد ذلك الخلاف ومعرفته، فهؤلاء ليسوا ملائكة، وإنما هم بشر، يختلفون ويحبون ويكرهون بل ويتعادون، وليس في ذلك خروج على طبائع الأشياء بشرط ألا يحمل ذلك أحدهم على الفحش والفجور في حق من يخالفه