للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنذر١: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "لا بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، قال: فإنه ليس بمنزل، انهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب، فنشرب ولا يشربون، فقال: "أشرت بالرأي"، وفعل ما قاله٢.

قال القاضي عياض: "فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها بعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها، يجوز عليه فيه ما ذكرنا٣ إذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور اعتيادية يعرفها من جربها، وجعلها همه وشغل نفسه بها، والنبي صلى الله عليه وسلم مشحون القلب بمعرفة الربوبية ملآن الجوانح بعلوم الشريعة، مقيد البال بمصالح الأمة الدينية والدنيوية، ولكن هذا٤ إنما يكون في بعض الأمور، ويجوز في النادر فيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها، لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة"٥.

وكذلك الأمر بالنسبة لأحكام البشر الجارية على يديه وقضاياهم، ومعرفة المحق من المبطل، وعلم المصلح من المفسد، فهذه أمور اجتهادية يجتهد فيها برأيه فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن


١ الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي، شهد بدرا، مات في خلافة عمر. الإصابة (١/٣٠٢) .
٢ الشفا للقاضي عياض (٢/ ٨٧١، ٨٧٢) وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٣/ ٣١- ٣٥) ، وعزاه السيوطي في مناهل الصفا (ص ٨٠) لابن اسحاق والبيهقي عن عروة والزهري وجماعة.
٣ أي من وقوع الخطأ.
٤ أي الخطأ.
٥ الشفا (٢/ ٨٧٢، ٨٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>